التقدم يحتاج إلى حرب

20/10/2020 4
فواز حمد الفواز

صدر كتاب جديد للمؤرخة الكندية مارجريت مكميلان بعنوان "الحرب .. كيف يشكلنا النزاع؟" تبدأ بالقول: "إن الحرب ليست انحرافا في تكوين الحياة أو الثقافة، وإنما هي جزء من التكوين البشري"، تقتبس المؤرخة من الشاعر فريدريك ماننيج روائي الحرب العالمية الأولى: "حين نقول: إن الحرب جريمة ضد البشرية نفقد نصف القصة على الأقل". يبدأ الكتاب باكتشاف جثة أوتزي Otzi في جبال الألب، (1991)، حيث احتفظ الجليد به شبه سليم بعد موته بأكثر من خمسة آلاف عام، حيث الأكل ما زال في معدته. اكتشف لاحقا أنه مات في نزاع، حيث وجد آثار دم على سكينه، لكنه ليس الدليل الوحيد على الحروب التاريخية، فهناك توثيق تاريخي على مدى آلاف القرون في عدة أماكن. الإشكالية أن القوة والاستعداد للحرب هما ما يجلبان السلام، إذ إن الضعف والتشرذم يقودان للعنف كما يحدث في أفغانستان واليمن كما يذكر الكتاب.

الحرب ليست فقط قوة سلبية، بل آلية للتغيير والإبداع، حيث ساعدت على تأسيس الجهاز البيروقراطي حتى التوسع الديمقراطي، حيث احتاج الحكام إلى مواطنين أحسن صحة وتعليما لخوض الحروب. أيضا الحروب ساعدت على تحرير المرأة ليس فقط في البيت، بل في ميدان المعركة أحيانا، الحرب غيرت حتى في الفنون. ربما أفضل ما في الكتاب بعض الاقتباسات الحية مثل قول الجنرال كورتس ليماي المشرف على الحرب الجوية على طوكيو عام 1945: "دمرنا وأحرقنا وخبزنا اليابانيين حتى الموت"، ولم تكن مصادفة إغفال تدمير المدن الألمانية أثناء محاكمات النازيين في نورمبيرج. أو قول أحد الضباط الفرنسيين أثناء حرب الجزائر: "مسموح لكم بالاغتصاب ولكن بسرية"، يقدر أنه تم اغتصاب مليوني ألمانية على يد الجنود الروس، حيث رأى النساء الألمانيات أن الهزيمة هزيمة لجنس الذكور.

في بداية نهاية القرن الـ 19 بدأ الدبلوماسيون الغربيون في تطوير صيغ قانونية للحد من الوحشية في الحروب لجعلها أكثر مشروعية، ونتج عنها اتفاقيتا هيج وجنيف. لكن مؤلفو هذه المنظومة لم يعتقدوا أنها تطبق على غير الغربيين. البداية لغير الغربيين كانت مع اليابان، حيث ذكر دبلوماسي ياباني لغربيين: "الآن وصلنا مرحلة التساوي معكم في تطويع آلة القتل العلمية، وبالتالي تم قبولنا في نادي المتحضرين". في آخر قسم يتحدث الكتاب عن الفنون وعلاقتها بالحروب وكفاح الفنانين في شرح ما لا يمكن شرحه، ففي رسالة كتبها أون لأمه من الجبهة في فرنسا

لجنود إنجليز: "هناك نظرة غريبة على وجوههم لا يمكن فهمها، لأننا لا نراها في حال السلم في إنجلترا، فهي ليست خوفا أو تحسرا لكنها أكثر من الترهيب ودون تعبيرات، بل كوجه أرنب ميت، لا يمكن رسمها ولن يستطيع فنان التعبير عنها، الأفضل أن أرجع لهم من محاولة وصفها". بعد قراءة هذه المراجعة أعتقد أننا في حاجة إلى الاستعداد للحرب ليس رغبة في العدوان، بل لغرض التدريب على الانضباط، لأنه أصبح عنصرا أساسا في إدارة جميع الأجهزة واختبار العلاقة بين الجزء والكل، خاصة في الإدارة والاقتصاد والتعليم. فربما للتجنيد مكان في معادلة التحديث، أحد جوانبه تطويع كثير في العمل الفني والتعاون. فالحياة السليمة السلمية تتطلب درجة من الاستعداد للحرب، كي يستمر السلم والحضارة.

 

نقلا عن الاقتصادية