لا يغيب عن عاقل تأثر قطاع الطيران في جائحة كورونا، فهو أحد أكثر القطاعات تأثرا من الناحية الاقتصادية، ولا يزال هذا القطاع في خسائر مستمرة حتى هذه اللحظة، فبلغت خسائره هذا العام أكثر من 84 مليار دولار، وانخفضت عوائده بأكثر من 420 مليارا. ولا تزال شركات الطيران في تخفيض مستمر لعدد الموظفين فيها، داخلة نفقا مظلما لا تدري حتى الآن ما نهايته. وعدم المعرفة هذه سبب رئيسي في تخبط قطاع الطيران في الوقت الحالي، حتى الآن لم تتفق الدول في أنظمة فتح الحدود. عدم الاتفاق هذا قلل من حجز التذاكر للأشهر المقبلة، وهو ما كان يساعد شركات الطيران في التخطيط لمستقبلها القريب من ناحية السيولة المادية وكذلك معرفة الاحتياج الوظيفي لديها. ولهذا السبب فقد اضطرت الكثير من شركات الطيران لإعلان إفلإسها والخروج من السوق، وهو أمر غير مستبعد اليوم لأي شركة طيران في العالم مهما كان حجمها.
وما يدلل على عظم أزمة الطيران في الوقت الحالي، المعاناة التي تشهدها الشركات المصنعة للطائرات، وهما شركتا «إيرباص» و«بوينغ»، فبعد أن كانت شركات الطيران تتسابق للحصول على رقم في ترتيب طلبات الطائرات والتي قد تصل إلى أكثر من ثلاث سنوات، أصبحت الآن الشركات المصنعة لا تجد مستلما لطائراتها المصنعة، ووصل عدد الطائرات غير المتسلمة لدى الشركتين إلى 622 طائرة في بداية الشهر الحالي. وقد كان رقم الطائرات المسلمة في السابق يساوي رقم الطائرات المصنعة، أي أن الشركتين لم تكونا بحاجة إلى تخزين الطائرات بعد التصنيع. أما الآن فالوضع اختلف كليا، وأصبحت حتى الشركات المشترية للطائرات، تأخذها إلى المخازن فورا، فلا وجود للمسافرين حتى تنقشع هذه الغمة.
وما يزيد الطين بلة لدى شركات الطيران، توقعاتهم المستقبلية لصناعة الطيران. فقد كانت هذه الشركات تعتمد بشكل كبير في السابق على درجة الأعمال والتي كانت إلى حد كبير تغطي تكلفة الرحلات، وتبقى مقاعد الدرجة السياحية ربحا خالصا لهذه الشركات. وقد أوضحت إحصائية سابقة أن ما يقارب من40 في المائة من عوائد الإماراتية للطيران تأتي من درجة الأعمال والدرجة الأولى. أما اليوم وبعد أن دارت عجلة الأعمال بواسطة الاجتماعات الافتراضية، فمن المتوقع انخفاض الطلب على درجة الأعمال بشكل كبير. ولذلك فإن الكثير من شركات الطيران قد تضطر مستقبلا إلى إعادة النظر في نموذج أعمالها، بل إنها قد تضطر له في الوقت الحاضر، في حال احتياجها إلى تمويل يتطلب تقييما للمخاطر المستقبلية.
وصناعة الطيران لا تستند فقط على الأرباح فحسب، بل تشكل أهمية استراتيجية للكثير من الدول، ووجودها قد يعني سهولة قدوم السياح ووجود البلد على خارطة المسافرين. ولذلك فإن إعلان إفلاسها مضر بالاقتصادات المحلية بكل تأكيد. ولذلك فقد سارعت العديد من الدول إلى تحفيز قطاع الطيران من خلال حزم المساعدات. فقدمت دول مثل اليابان وعديد من الدول الأوروبية مساعدات لطيرانها، ولم يكن عجز الميزانيات للدول عذرا في عدم تقديم المساعدات، فقد قدمت أستراليا دعما لخطوطها المحلية رغم العجز في ميزانياتها. وقدمت الولايات المتحدة حزمة سابقة بنحو 25 مليار دولار لخطوط الطيران، وهي الآن بصدد إطلاق حزمة مساعدات أخرى برقم يقارب هذا المبلغ. ويبلغ حجم قطاع الطيران في الولايات المتحدة قرابة 1.7 تريليون دولار، موجدة أكثر من 10 ملايين وظيفة غير مباشرة ونحو نصف مليون وظيفة مباشرة.
إن دعم الحكومات لقطاع الطيران أمر لا مفر منه، ماذا وإلا فإن هذه الشركات عرضة للإفلاس كما لم تكن من قبل، وفيما كانت المساعدات خلال الأشهر الماضية تشمل كثيرا من قطاعات الأعمال، إلا أنها الآن قد تكون محددة على قطاعات معينة دون الأخرى، وقطاع الطيران هو أحد هذه القطاعات بلا أدنى شك. وقد عانى هذا القطاع في الماضي كثيرا بسبب كثرة المنافسات والمصاريف التشغيلية، ولكنه الآن يعاني من أمر لا قبل له به. والأمر واضح للجميع، فإن لم تساعد الحكومات شركات الطيران في الوضع الراهن، فإنها مقبلة على إعلانات إفلاس بالجملة، يصاحبها ارتفاع في معدلات البطالة، ومستقبل مجهول لصناعة هي أحد أهم الأسباب في تطور العالم كما هو اليوم.
نقلا عن الشرق الأوسط