مفارقة الفائدة على الودائع والقروض

11/10/2020 2
د. فهد الحويماني

في الأسبوع الماضي، تحدثت عن طرق التوفير والادخار والاستثمار، والفروق بينها في ظل تنامي التوعية بأهمية إدارة الأموال الشخصية، وذكرت أن الوديعة المتكررة يصل العائد فيها، هذه الأيام، إلى نحو 2.50 في المائة في العام. وتجنبت التطرق لإشكالية نسبة الفائدة المعلنة، تجنبا للتشعب، لكن هنا أطرح تساؤلا بسيطا لمن لم يلحظ ذلك في المقال السابق: كيف يمكن للمصرف أن يمنحك عائدا سنويا بمقدار 2.50 في المائة عندما تودع لديه، بينما يأخذ منك فقط 1.75 في المائة سنويا عندما تحصل على قرض شخصي منه؟

بمعنى آخر: كيف يمكن للمصرف أن يقترض المال منك بتكلفة 2.50 في المائة، بينما يقرضك المال بتكلفة 1.75 في المائة؟ يمكن تشبيه ذلك بمحل تجاري يشتري البضاعة بـ2.50 ريال ويبيعها بـ1.75 ريال، فهذا أمر لا يستقيم، أين المشكلة؟

أساس المشكلة يعود إلى قضية الفائدة المتناقصة، التي طالبت بها قبل أكثر من عشرة أعوام، وتجاوبت مؤسسة النقد مشكورة مع مطالبتي، وتم بالفعل التعميم على جميع المصارف والمؤسسات المالية بضرورة عرض نسبة الفائدة الحقيقية، والابتعاد عن عرض النسبة حسب الطريقة القديمة. وعادت المؤسسة مرات عدة لتؤكد أهمية عرض النسبة الحقيقية للقروض، لكن لا تزال المصارف تتعامل بالطريقة القديمة المخالفة.

قبل الدخول في التفاصيل، أشير إلى أن جواب المفارقة بين الفائدة على القروض من جهة، والفائدة على الودائع من جهة أخرى، هو أن المصارف تتعامل بالنسبة التي تخدمها تسويقيا، فتجدها عند التسويق للقروض تستخدم نسبة مبلغ الفائدة الثابت "الطريقة القديمة"، لأنها شكليا تعد متدنية، فتكون أسهل للقبول من قبل العميل. لذا، في مثالنا هذا، قد تكون النسبة المعلنة للقرض من قبل المصرف 1.75 في المائة، بينما هي في حقيقة الأمر، وبحسب نظام مؤسسة النقد، يجب أن تكون نحو 3.35 في المائة. وفي المقابل، عندما تقوم المصارف بالتسويق لخدمات التوفير والادخار، تجدها تتفادى عرض الفائدة بالطريقة القديمة، لأن النسبة تظهر متدنية في نظر العميل. لذا، في مثالنا عن الفائدة على الوديعة المتكررة، رأينا أن النسبة المعلنة 2.50 في المائة، وهذه بالفعل هي النسبة الحقيقية.

إذن، المفارقة التي نحن بصددها تزول متى تم توحيد النسب المعلنة، وهذا هو الهدف من قرار مؤسسة النقد باعتماد معدل النسبة السنوية المتعارف عليه خليجيا وإقليميا ودوليا، حيث من المفترض أن تكون في هذا المثال تكلفة القرض الشخصي الحقيقية 3.35 في المائة، والفائدة على الوديعة المتكررة 2.50 في المائة، ما يعني أن ربحية البنك في القروض الموجهة للأفراد تبلغ نحو 0.85 في المائة، وهذا معقول إلى حد كبير، خصوصا أن الوديعة المتكررة موجهة فقط إلى الأفراد، ونسبة الفائدة فيها تعد تفضيلية إلى حد ما.

الفائدة المتناقصة، أو الفائدة الحقيقية، تعني أن تكلفة القرض، وكذلك الفائدة على الوديعة المتكررة، تأتي حسب الرصيد الفعلي وليس حسب المبلغ الأصلي للقرض أو الوديعة، بينما في الطريقة القديمة، فالنسبة المعلنة مبنية على المبلغ الأصلي الثابت، ومرة أخرى لا يوجد فرق في التكلفة النهائية على المقترض، بل هي فقط آلية لتوحيد المسميات واعتماد نسبة متفق عليها عالميا، من خلالها تصبح المقارنات بين القروض والودائع وغيرها من الأعمال المالية، سهلة ومنطقية أكثر.

هنا يجب عدم الخلط بين مفهوم نسبة مبلغ الفائدة الثابت "الطريقة القديمة" والفائدة غير المتغيرة، حيث نجد أن في بعض القروض، خصوصا العقارية، هناك نوعان من نسب الفائدة: النسبة المتغيرة والنسبة غير المتغيرة، والخلط بينهما يحصل، لأن النسبة غير المتغيرة تسمى أحيانا النسبة الثابتة، فتجد هناك قروضا تعرض تكلفتها بالطريقة القديمة، بينما قد تكون قروضا بفائدة متغيرة أو غير متغيرة. فعندما تكون نسبة الفائدة على القرض غير متغيرة، مثلا قرض بفائدة 4 في المائة، فهذه الفائدة ممكن أن يكون المقصود بها فائدة متناقصة أو فائدة حسب الطريقة القديمة، وبكلتا الحالتين فهي فائدة غير متغيرة مع مرور الوقت، بعكس نسبة الفائدة المتغيرة، التي تتغير كل ستة أشهر حسب أسعار الفائدة السائدة.

سبق أن كتبت عن الإشكاليات في التعامل بالقروض ذات الفائدة المتغيرة، كون مبلغ القسط على المقترض ممكن أن يزيد أو ينقص بعد فترة من الزمن، ما يربك المقترض ويجعله في حيرة من أمره.

خلاصة المقال، هي أن على مؤسسة النقد فرض عقوبات على جميع المؤسسات المالية، التي تخالف أنظمة المؤسسة وتتعامل بمفهوم نسبة مبلغ الفائدة الثابت "الطريقة القديمة"، وإلزامها جميعا باستخدام مفهوم الفائدة المتناقصة "الحقيقية" المبنية على حساب الفائدة على المتبقي من أصل القرض. وهنا يجب التأكيد مرة أخرى أن هذا ليس له أي تأثير في التكلفة النهائية على العميل، بل إنه مجرد طريقة لتوحيد المصطلحات ومساعدة العميل على إجراء المقارنات المالية المختلفة.

 

نقلا عن الاقتصادية