قبل الخوض في تقرير شركة بريتيش بتروليوم لآفاق الطاقة لعام 2020، أود أن أنوه إلى أن عديدا من المحللين حذروا من أن تناقضات عدة شابت تقرير الشركة لهذا العام بشأن وصول الطلب العالمي إلى ذروته خصوصا تلك المتعلقة بأثر التزايد المستمر لأعداد السيارات الكهربائية وتحسن معدلات كفاءة محركات البنزين والديزل في الطلب العالمي على النفط. حيث إن الافتراضات المستخدمة في التقرير بعضها يخالف الواقع وتتناقض مع تقرير العام الماضي، وبعضها الآخر يخالف المنطق. حتى حماة البيئة ومؤيدو السيارات الكهربائية تفاجأوا بالتقرير. مع ذلك، من المفيد استعراض ما جاء بهذا التقرير لأن المستثمرين وصناع القرار يستقون معظم معلوماتهم من مثل هذه التقارير.
في العام الماضي، افترضت شركة بريتيش بتروليوم أن ذروة الطلب على النفط يمكن أن تحدث بحلول عام 2030. وفي تحول كبير، تقول الشركة: إن ذروة الطلب ربما تكون قد حدثت بالفعل. هذا وفقا لتقريرها لهذا العام المنشور حديثا الذي وضع ثلاثة سيناريوهات، تظهر جميعها أن الطلب على النفط قد بلغ ذروته بالفعل أو سيبلغ ذروته في الأعوام القليلة المقبلة في السيناريو الأكثر تفاؤلا.
بالفعل لقد رسمت شركة النفط البريطانية مستقبلا قاتما لسوق النفط في العقود الثلاثة المقبلة مع توقعات تتعارض مع التكهن السائد على نطاق واسع باستعادة الطلب على النفط الخام بعد نهاية الوباء. في اثنين من هذه السيناريوهات: حالة الانتقال السريع وحالة الصفري الصافي net-zero الأكثر صرامة، تقول الشركة: إن التحولات التي يشهدها نظام الطاقة العالمي إلى جانب الخسائر الاقتصادية من جراء جائحة كورونا ستعني أن الطلب العالمي على النفط الخام لن يتجاوز أبدا مرة أخرى متوسط عام 2019 البالغ نحو 100 مليون برميل في اليوم. على هذا المنوال، تشير التوقعات إلى أن عام 2019 قد يمثل ذروة انبعاثات الكربون من استخدام الطاقة.
وبدرجات متفاوتة، يفترض كل من السيناريوهين الانتقال السريع والصفري الصافي أن تشديد السياسات الحكومية حول الانبعاثات والزيادات في تسعير الكربون سيسرع من مسار النمو الحالي لمنشآت الطاقة المتجددة. يتمثل الاختلاف الأكبر بين الاثنين في أن السيناريو الصفري الصافي يتوقع أن يقوم مستهلكو الطاقة أنفسهم بتحريك عجلة التحول بشكل أكبر من خلال تغيير سلوكياتهم وتفضيلاتهم في استهلاك الطاقة. بحلول عام 2050، يمكن أن تؤدي هذه العوامل الافتراضية إلى انخفاض الطلب العالمي ما بين 55 و30 مليون برميل في اليوم.
في حين أن سيناريو العمل كالمعتاد للشركة يفترض أن السياسات الحكومية، التطور التكنولوجي، وتفضيلات المستهلك ستستمر في التطور نحو مصادر الطاقة المتجددة بالوتيرة نفسها التي رأيناها في الأعوام الأخيرة. بغض النظر، ترى جميع السيناريوهات الثلاثة انخفاض استهلاك الفحم، النفط والغاز الطبيعي بينما سيتزايد دور الطاقة المتجددة. تسلط التوقعات الضوء على أن الوقود الأحفوري الذي شكل 85 في المائة من الطلب على الطاقة الأولية في 2018، قد يمثل بحلول 2050 ما بين 70 و20 في المائة فقط من مزيج الطاقة. سيكون هذا حدثا غير مسبوق تماما. في التاريخ الحديث للطاقة، لم نشهد أي انخفاض مستمر في استهلاك أي وقود يتم تداوله.
نظرا لانخفاض الطلب على الوقود الأحفوري، يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تزيد حصتها في مزيج الطاقة من 5 في المائة عام 2018 إلى ما بين 20 و60 في المائة بحلول عام 2050. ومن المتوقع أن تمثل طاقتا الرياح والشمسية نصيب الأسد من هذا النمو. إذا تحقق هذا الافتراض، فإن مصادر الطاقة المتجددة ستخترق نظام الطاقة بسرعة أكبر من أي وقود آخر في التاريخ الحديث.
تأتي نظرة "بريتيش بتروليوم" المستقبلية هذه بعد شهر من إعلان الشركة للمستثمرين أنها تحاول التخلص من سمعتها كشركة نفط دولية وبناء سمعة جديدة كشركة طاقة متكاملة وستنفق خمسة مليارات دولار سنويا على تقنيات منخفضة الكربون، في الوقت نفسه حددت هدفا لخفض إجمالي إنتاجها من النفط والغاز بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2030. تشير نظرة الشركة إلى أنه قبل كل شيء، فإن النفط هو مصدر الطاقة الأكثر تضررا من استمرار الوباء. قد يؤدي التأثير الدائم للفيروس في الناتج الاقتصادي العالمي إلى تقليل الطلب على النفط بمقدار ثلاثة ملايين برميل في اليوم عام 2025 ومليوني برميل في اليوم بحلول عام 2050.
ينبع أغلب هذا التأثير من البيئة الاقتصادية الأضعف، لكن هناك أيضا تأثير مفترض من التغييرات السلوكية المختلفة التي يسببها الوباء، حيث يسافر الناس أقل، ويتحولون عن وسائل النقل العام إلى وسائل بديلة للسفر، وفي كثير من الأحيان يعملون من المنزل.
على عكس مستقبل النفط الخام المحتمل، توقعات الغاز الطبيعي أكثر تفاؤلا من حيث الطلب. في سيناريو الانتقال السريع لشركة بريتيش بتروليوم، سيستمر نمو استهلاك الغاز على الأقل خلال الـ 15 عاما المقبلة. سيكون الدافع الرئيس هو تقاعد أو تحويل محطات الفحم في آسيا للعمل بالغاز. ويتوقع تقرير الشركة أيضا إمكانية اعتبار الغاز طاقة شبه خالية من الكربون. سيشمل ذلك جهدا كبيرا لتشغيل مشاريع التقاط، استخدام وتخزين الكربون CCUS بالغاز.
كما أشارت التوقعات إلى أنه مع تنوع مكونات نظام الطاقة العالمي، من المتوقع أن يدفع مستهلكو الطاقة زيادة المنافسة على حصة السوق. في سيناريو الانتقال السريع والصفري الصافي، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع متوسط الاستثمارات السنوية في طاقتي الرياح والشمسية إلى ما بين 500 و750 مليار دولار. وهذا أكبر بعدة مرات من مستويات الاستثمار الأخيرة في طاقتي الرياح والشمسية، وأيضا أعلى بكثير من مستويات الاستثمار في النفط والغاز في هذين السيناريوهين.
ويقول تقرير الشركة: إذا تبنت الدول حول العالم استراتيجيات أقوى لتسعير الكربون، فإن كثافة الكربون في العمليات النفطية تصبح عاملا مهما في الجدوى الاقتصادية لمثل هذه المشاريع. يوضح سيناريو الانتقال السريع أن ما يصل إلى مليوني برميل في اليوم يمكن أن يكون في خطر في ظل مثل هذا السيناريو.
ورجح تقرير "بريتيش بتروليوم" أن يخضع نظام الطاقة العالمي لإعادة هيكلة أساسية من أجل إزالة الكربون، ما سيحدث تحديات وفرصا للصناعة.
نقلا عن الاقتصادية
لن يمتلك تقنيات وابتكارات الطاقه النظيفه المتجدده والبديله للنفط إلا من يمتلكون مخزونات كبيره من النفط . المستقبل يحتم على دول النفط التي تحتل المراكز المتقدمه في عالم النفط أن تخصص جزء كبير من ايراداتها لتكون الاولى أيضا في مجال الطاقه البديله .