الحماية التجارية

05/10/2020 0
د. عبدالله الردادي

منذ أن ظهرت التجارة الدولية، وبدأت منتجات الدول الصناعية غزو أسواق الدول الأقل تطوراً، لجأ كثير من هذه الدول إلى حماية أسواقها من هذا الغزو، وذلك باستخدام سلطاتها الحكومية بمنع أو تحجيم دخول بعض المنتجات إليها، أو بفرض رسوم جمركية على بعضها الآخر. وتتنوع أسباب هذه السياسة بحسب الدول وبحسب وجهة النظر وانتمائها، فقد تطبق بعض الدول هذه السياسة لحماية صناعاتها الناشئة، أو لتطوير بعض صناعاتها الداخلية وحمايتها من منافستها المستوردة، أو لأسباب سياسية مع دول أخرى مصنّعة، أو لتقليل البطالة من خلال فرص العمل التي توفرها الصناعات المحميّة، وغيرها من الأسباب. وتوصف هذه السياسات بأوصاف متناقضة بحسب وجهة النظر، فما قد تراه الدولة مصلحة لها، تراه دولة أخرى تعنّتاً سياسياً وحرباً ضد التجارة الحرة.

والأمثلة على الحماية التجارية في عالمنا اليوم متعددة؛ أولها ما يحدث بين الصين والولايات المتحدة، فالولايات المتحدة تفرض رسوماً جمركية متوالية على المنتجات الصينية لحماية أسواقها ومنتجاتها، والصين ترد برسوم انتقامية على هذه الإجراءات. وكل دولة منهما تسوّق للتجارة الحرة وأنها الحل الأمثل للاقتصاد العالمي. وثاني هذه الأمثلة بين الصين وأوروبا، وترى دول الاتحاد الأوروبي أن الصين تغرق الاقتصاد الأوروبي بالمواد الخام منخفضة التكلفة، مما أدى إلى خروج كثير من الشركات الأوروبية المنافسة من السوق. وتعاني الشركات الأوروبية من ارتفاع الضرائب عليها، خصوصاً البيئية منها، بينما ترفل الشركات الصينية في نعيم دعم حكومتها غير المحدود. ويرى الاتحاد الأوروبي أن سيادته الاقتصادية أصبحت في خطر باعتماده على المواد الأولية الصينية، مما يعني أنه قد ينحى للحماية التجارية في وقت قريب. وما زاد لهيب الحماية التجارية ما حدث أثناء أزمة «كورونا»، حيث تلقت التجارة الحرة ضربة موجعة بإدراك الدول أهمية الاكتفاء الذاتي في الأغذية والمنتجات الطبية وغيرها من الاحتياجات الاستراتيجية. فبدأ كثير الدول يفكر بشكل جدي في فرض رسوم جمركية على عدد من الواردات بهدف حماية صناعتها المحلية وتطويرها.

أما المتحمسون للتجارة الحرة، فيشجعون على التكامل الاقتصادي، ودعم التجارة الحرة العادلة التي تساهم في نمو شمولي للاقتصاد العالمي. وقد ركزت «مجموعة الأعمال 20 (B20)» على موضوع الحماية التجارية في هذا العام، بصفته موضوعاً مؤثراً على الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة. وقدمت «مجموعة الأعمال» - بالتعاون مع شرائكها - دراسة مستفيضة بيّنت من خلالها أن الفارق بين دعم التجارة الحرة ودعم الحماية التجارية قد يصل إلى 10 تريليونات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لمصلحة التجارة الحرة، ورسمت هذه الدراسة احتمالات عدة للاقتصاد العالمي حتى عام 2025 بحسب درجتي الحماية التجارية ودعم التجارة الحرة. وأوضحت أن الحلول لدعم التجارة الحرة تكمن في لوائح منظمة التجارة العالمية، وتقليل الرسوم الجمركية على الواردات، وتوحيد المعايير الصناعية التي قد تفتح آفاق أسواق جديدة للمنتجات. وتنبع أهمية هذه التوصيات من تمثيل دول المجموعة 60 في المائة من حجم التبادل التجاري العالمي، وتزيد هذه النسبة إلى 80 في المائة في حال تضمين دول الاتحاد الأوروبي غير المشاركة بشكل مباشر في المجموعة. أي إن دول المجموعة تملك اليد الطولى في تشكيل التجارة العالمية للسنوات الخمس المقبلة.

إن سياسة الحماية التجارية ضرورية في كثير من الأوقات، وهي حق سيادي للدول، يمكنها من تطوير صناعاتها وتوفير فرص العمل وحماية أسواقها من الإغراق الذي تمارسه بعض الدول. إلا إن الإفراط في هذه السياسة يؤثر سلباً على سلاسل الإمداد والنمو الاقتصادي، ويؤثر بشكل مباشر على المستهلك النهائي الذي يدفع الفارق في السعر على المنتجات. وقد يكون تغيير أنظمة «التجارة العالمية»، خصوصاً خلال الشهرين المقبلين بترشيح رئيس جديد للمنظمة، حلاً لهذه المعضلة. وما يدعو للتفكر في هذه الأزمة، حال بعض الدول الغربية، التي بدأت تطبق سياسات الحماية التجارية والاقتصادية، وانتقادها هذه السياسات في حال مارستها دول أخرى. ولم تكن هذه الدول لتناقش لوائح منظمة التجارة العالمية لو لم تنمُ الصين اقتصادياً، ويبدو أن بعض هذه الدول كانت تدعو للتجارة الحرة حينما كانت حرية التجارة في مصلحتها، ولكن حالما أصبحت الصين منافسة لها في القوانين التي وضعتها هي، بدأت هذه الدول في التذمر من منظمة التجارة العالمية والتصريح بأنه حان الوقت لتغيير هذه الأنظمة، ويبدو أن هذا التغيير وشيك خلال الأشهر المقبلة، للوصول إلى نسخة جديدة من المنظمة تضمن لجميع الدول تجارة حرة وعادلة.

 

نقلا عن الشرق الأوسط