تسعون عاما مضت على تأسيس كيان المملكة العربية السعودية، الدولة الفتية التي تحولت بفضل الله، ثم بجهود الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده، والمخلصين من أبنائها، إلى واحة سلام ونماء وازدهار. ملحمة بناء أقرب إلى الخيال منها للواقع. فمساحة المملكة الشاسعة، وتنوع قبائلها ومجتمعاتها وتضادهم قبل التأسيس، ومحدودية الموارد والإمكانيات تجعل من أمر بناء الدولة الحديثة، مع وجود قوى عظمى مسيطرة ومتغلغلة في المنطقة، عوضا عن توحيد أطرافها المترامية، ضربا من الخيال. تسعون عاما يمكن النظر من خلالها إلى مراحل تكاملية ساهمت في بناء وتشكيل الدولة. لكل مرحلة سماتها الخاصة، ومتطلباتها التي فرضتها الحاجة.
ويشكل العهد الحالي بداية مرحلة جديدة من مراحل البناء المتعاقِب، وسمته بناء السعودية الجديدة على قواعد الملك المؤسس وأبنائه البررة من بعده، رحمهم الله جميعا، من خلال تثبيت أركان الدولة، وإعادة هيكلتها، وتجديد الدماء فيها، وغرس التنمية النوعية في أركانها، ومحاربة الفساد.
راهن الأعداء على إضعاف المملكة وزعزعة استقرارها، وتنبأوا في مؤامراتهم بقرب السقوط، متجاهلين قوة بيت الحكم السعودي، ذا الجذور التاريخية المتأصلة والممتدة لقرونٍ ثلاثة، وتماسكه وتمرسه، واصطفاف المجتمع السعودي بمكوناته خلف قيادته في السراء والضراء.
شكل الاقتصاد والتنمية والفساد مدخلا لإضعاف الدولة من الداخل وخلخلة أركانها. فاستمرار نمط الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط، وآلية التنمية، وإدارة الثروات ساهموا جميعا في بداية الشيخوخة الاقتصادية والتنموية، ما يعني حتمية مواجهة أزمات وجودية ومالية وتنموية، ما فرض على القيادة التوجه نحو إعادة الهيكلة الاقتصادية من أجل الوصول إلى تنويع مصادر الاقتصاد والدخل لضمان الاستدامة التنموية والمالية. أُطلقت رؤية 2030 لتشكل رؤية التحول الكبرى وخارطة الطريق نحو المستقبل. أربع سنوات من النماء النوعي في المشروعات الكبرى والتحول الاقتصادي الذي يؤسس لقاعدة اقتصادية، مالية، وتنموية جديدة، تُعالج الأخطاء السابقة وتحقق المتطلبات الحديثة، وتُبنى عليها «السعودية الجديدة». تحولت المملكة إلى ورشة إصلاحٍ وتشييد ضخمة وعمل مستدام مقرونا بالأمل، بعد التوكل على الله، يعززها خادم الحرمين الشريفين، ويقودها عراب الرؤية ومهندسها، سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
تفشي الفساد والجرأة على المال العام وأملاك الدولة من أدوات الاستهداف التي كان العدو يراهن عليها لزعزعة الثقة، ورفع درجة التذمر بين المواطنين، ونشر الإحباط في المجتمع، وأكثر من ذلك تجنيد الفاسدين لخدمة المشروع التخريبي العالمي. عاجل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منظومة الفساد بشن الحرب عليها. وأمر بإنشاء اللجنة العليا لمحاربة الفساد برئاسة سمو ولي العهد، فأنجزت مهامها في فترة زمنية قصيرة وأعادت لخزينة الدولة ما يقرب من 400 مليار ريال. ثم أعاد، حفظه الله، هيكلة الجهات الرقابية لتفعيل دورها في تحقيق هدف مكافحة الفساد، ورفع كفاءتها وفاعليتها من الجانبين التشريعي والتنفيذي. نجحت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في الكشف عن الفاسدين وهدم أوكارهم المحصنة، وما زالت ماضية في طريقها الهادف لتعزيز النزاهة وتجفيف منابع الفساد، ما جعلهم مستحقين لشكر سمو ولي العهد الذي وصفهم بأنهم «فرسان هذه المعركة الشرسة ضد الفساد لاستئصاله من وطننا الغالي علينا جميعاً». أجزم أن الفارس الحقيقي هو ولي العهد، قائد معركة الحرب على الفساد، ومهندس الرؤية، وعراب التحول إلى المستقبل الذي أعاد لهيئة الرقابة هيبتها وقدرتها على مساءلة المخطئين، دون تمييز، ومحاسبتهم وتقديمهم للعدالة. «السعودية الجديدة» مصطلح ينطبق حرفيا على ما يحدث اليوم من تحول كبير وإعادة بناء الدولة وضمان استدامتها، ومن أهم أركان الاستدامة ترتيب بيت الحكم، وضخ الدماء الشابة في أركانه، والبناء على قواعد المؤسس، وأبنائه من بعده، رحمهم الله جميعا.
نقلا عن الجزيرة