تُحدث الأزمات الاقتصادية أثراً عميقاً في المجتمع وتتسبب بمشكلات لا يمكن الخروج منها بسهولة، وربما تسببت بمضاعفات مجتمعية متراكمة تتحول مع مرور الوقت إلى مشكلات مستدامة يصعب التعامل معها أو معالجتها. وقد تتسبب بعض السياسات الاقتصادية، المنبثقة عن آلية معالجة الأزمات مزيداً من التداعيات المجتمعية، فتتسبب في ارتفاع تكاليف المعيشة، وفقدان الوظائف، وزيادة في شريحة الفقراء التي تسعى الحكومات جاهدة لتقليصها من خلال التنمية الاقتصادية والسياسات المحفزة على الإنتاج وزيادة الدخل.
جائحة كورونا، من الأزمات الصحية الطارئة، إلا أن تأثيرها الاقتصادي على العالم تجاوز أثرها الصحي بأضعاف مضاعفة. فبرغم حجم الكارثة الصحي، وعدد الوفيات حول العالم، إلا أن غالبية التقارير تشير إلى أن حجم الوفيات الناجمة عن الإنفلونزا يفوق حجم الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس كوفيد 19 غير أن الهلع الصحي الذي قادته منظمة الصحة العالمية، وحجم التغطيات الإعلامية والتقارير المحذرة، وتحوط الدول قاد إلى تعطيل الأعمال وانقطاع سلاسل الإمداد وفقدان الوظائف والتأثير السلبي على الاقتصاد العالمي ما تسبب في أزمة اقتصادية عالمية، وأثر مجتمعي بليغ جعلت بعض المتضررين ينادون «بالموت من فيروس كوفيد 19 ولا الموت جوعاً».
وبالرغم من تأثر جميع الاقتصادات العالمية بالجائحة، إلا أن الأثر كان أكبر على الدول الفقيرة، التي عانت من تداعيات كورونا الاقتصادية المباشرة عليها، والتداعيات المرتبطة بالمساعدات العالمية والإمدادات الإنسانية التي تصلها من الدول الغنية.
اقتصادات الدول النفطية كانت ضمن الاقتصادات الأكثر تأثراً وانكشافاً على الأزمة، خاصة بعد انهيار أسعار النفط، وانخفاض الدخل بنسب تفوق 50 %، حتى أن بعض التقارير الإعلامية تحدثت عن إمكانية عجز إحدى الدول الخليجية عن دفع الرواتب بسبب انخفاض الدخل وعدم وجود احتياطات مالية!.
أزمة الاقتصاد الحالية دفعت الحكومات لاتخاذ قرارات وسياسات لمعالجة المشكلات الطارئة، وهي سياسات ثقيلة على المجتمع، إلا أنها ضرورية لمواجهة الأزمة والحد من تداعياتها. ومع أهميتها القصوى، إلا أن قياس أثرها على المجتمعات أكثر أهمية، للحد من المشكلات الاجتماعية التي يمكن أن تسهم في تدمير المجتمع المستهدف بالحماية من تلك الإصلاحات. ما يستوجب استشراف الأثر المجتمعي لجميع القرارات والسياسات الاقتصادية قبل تطبيقها ومراجعتها بعد التطبيق، وألا تترك لخبراء المال والمسؤولين عن الميزانيات العامة الذين ينصب تركيزهم على التدفقات المالية الداخلة للخزينة بمعزل عن الانعكاسات المجتمعية وقدرة الأسر والأفراد على تحملها. بعض السياسات المالية، وإن أُحيطت بقناعة الخبراء، ونتج عنها إيرادات جيدة، ربما تسببت بأضرار أكبر للاقتصاد، ومشكلات مختلفة للمجتمع، وكلفت الخزينة مستقبلاً، ضعف ما نتج عنها من إيرادات لمعالجة تداعياتها.
أعتقد أن أكثر ما يستوجب دراسته وتحليله في قرارات الأزمات المالية؛ أثر تداعياتها على المجتمع؛ تكلفة المعيشة، وشريحة الفقراء ومحدودي الدخل وباقي شرائح المجتمع. منظومات مجتمعية قد لا يتسنى للماليين ومتبني السياسات الحادة ملاحظتها حين اتخاذ قراراتهم المالية، إلا أنها أكثر وضوحاً للقادة الذين يؤمنون بأن حياة المجتمع ومعيشته أولوية لا يمكن تجاوزها، أو تجاهلها في قياس أثر السياسات الاقتصادية عموماً.
نقلا عن الجزيرة