خلال الآونة الأخيرة اجتذب قطاع التكرير اهتماما متزايدا، حيث حذر المحللون شركات التكرير بشكل أساسي من الاستعداد لاحتمالية انخفاض الطلب على الوقود، والتركيز على البتروكيماويات كمصدر رئيس للطلب. في الواقع، هذه التحذيرات ليست جديدة. لعدة أعوام، كان هذا هو التوقع الافتراضي لصناعة التكرير وسط مضاعفة الحكومات والناشطين دعواتهم لتحول الطاقة. عندما يتم تسريع عملية التحول، لن يكون أمام مصافي التكرير خيار سوى الاعتماد بشكل أكبر على البتروكيماويات، حيث تخفض السيارات الكهربائية الطلب على البنزين، لكن الواقع حتى الآن لم يرق إلى مستوى التوقعات. وكما قال رئيس قسم الأبحاث في شركة فيتول أخيرا: "إن وتيرة تحول الطاقة كانت أقل من التوقعات، وفي الوقت نفسه، لم يترجم نقص الاستثمار في الصناعة إلى نقص في العرض كما كان متوقعا". وبالفعل، يتباطأ نمو مبيعات السيارات الكهربائية، خاصة في الولايات المتحدة، كما يتباطأ أيضا التوسع في طاقة الرياح والطاقة الشمسية بسبب ارتفاع التكاليف، وفي بعض الأماكن، ضعف الطلب على الكهرباء أو معارضة المجتمع المحلي. ومع ذلك، التوقعات التحذيرية لا تزال قائمة.
آخرها أتى من وود ماكنزي، الذي قال إنه "مع تقدم تحول الطاقة، تواجه مصافي التكرير معركة متزايدة من أجل البقاء". وقالت الشركة في تقريرها إن المرونة والتكامل بين إنتاج الوقود والبتروكيماويات سيكونان أمرين حيويين للصناعة التحويلية في المستقبل. والواقع هذا يتماشى مع كل التوقعات تقريبا لمستقبل صناعة التكرير: فمع تقلص الطلب على الوقود بسبب التحول إلى الكهرباء، يتعين على الصناعة أن تعتمد على البتروكيماويات من أجل البقاء. حيث إن الطلب على البتروكيماويات يتمتع بفرص جيدة جدا للبقاء على المدى الطويل بفضل تنوع تطبيقاتها عبر الصناعات، مع ذلك، تشير بيانات الطلب على الوقود إلى أنه من الأفضل أن تؤخذ التوقعات ببعض الحذر. على سبيل المثال، توقعت إدارة معلومات الطاقة مرارا وتكرارا انخفاض الطلب على البنزين، لكنها اضطرت إلى تعديل ذلك لاحقا بما يتناسب مع نمو الطلب، تجدر الإشارة هنا إلى أن تقرير الإدارة وعديدا من التقارير الأخرى تفترض أن زيادة المركبات الكهربائية ستكون بمنزلة منحنى خطي يشير إلى الأعلى. لكن، لا يبدو أن هذا هو الحال، باستثناء الصين. ومع ذلك، فحتى في الصين، تتباطأ مبيعات السيارات الكهربائية، ما يثير الشكوك حول قدرة السيارات الكهربائية على أن تحل بالكامل محل مركبات محرك الاحتراق الداخلي في هذه المرحلة، حتى مع الإعانات الحكومية السخية. من ناحية أخرى، قبل عدة أعوام، توقعت "بلومبيرج" أن طاقات التكرير الجديدة في الصين ستكون فائضة عن الطلب وستتحول إلى أصول عالقة لأن الطلب على الوقود كان من المقرر أن يصل إلى ذروته بحلول 2025. وفي ذلك الوقت، كانت الصين تبني طاقات تكرير جديدة بإجمالي 1.4 مليون برميل يوميا بحلول 2025.
وبدلا من ذلك، تعد الصين حاليا مصدرا رئيسا للوقود ـ ليس فقط في آسيا ولكن في أوروبا أيضا، حيث إن الأخيرة تفتقر إلى الطاقات التكريرية المحلية، وفرضت حظرا على الوقود الروسي والنفط الخام. وأجبر هذا أوروبا على البحث عن موردين بديلين، وهو ما وجدته في الولايات المتحدة والصين والهند. ولم تظهر أي علامة على وصول الطلب العالمي على الوقود إلى ذروته. إذا كان هناك أي شيء، فقد كان الطلب في ارتفاع بعد تراجع 2020 الناجم عن الإغلاق نتيجة الجائحة. لكن الصين ليست الدولة الوحيدة التي تبني المصافي. ستأتي طاقات جديدة في العام المقبل من المكسيك، ومنشأة الزور في الكويت بدأت العمل هذا العام، وستعمل أكبر مصفاة في إفريقيا -دانجوت في نيجيريا- في غضون عدة أشهر، إن لم يكن قبل ذلك. ومن المتوقع أن تبلغ طاقة مصفاة دوس بوكاس المكسيكية 340 ألف برميل يوميا. وستكون منشأة الزور الكويتية قادرة على معالجة 615 ألف برميل يوميا من الخام الثقيل. وستبلغ الطاقة الإنتاجية لمصفاة دانجوتي 650 ألف برميل يوميا، وتضيف المصافي الثلاث مجتمعة أكثر من 1.5 مليون برميل يوميا إلى طاقة التكرير العالمية. وفي الوقت نفسه، تقوم شركة سونانجول الأنجولية ببناء مصفاة جديدة. ورغم أن المصفاة صغيرة، حيث تبلغ طاقتها 60 ألف برميل يوميا، إلا أنها ستضاعف قدرة البلاد التكريرية.
معظم دول العالم تعطي الأولوية لإمدادات الطاقة، بغض النظر عن مصدرها. فالصين، هي أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، ومع ذلك تقوم أيضا ببناء محطات توليد الطاقة بالفحم ومصافي التكرير. والصين أوضحت أن موقفها من الطاقة هو "أمن الإمدادات" وليس "الانخفاض في الكربون بأي ثمن" الذي أصبح شعارا للاتحاد الأوروبي. وفي أسواق السيارات الكبرى الأخرى، تتعثر مبيعات السيارات الكهربائية، ما يزيد من قوة الحجة القائلة إن التحول قد يكون مكلفا للغاية بالنسبة إلى أغلب الناس، حتى مع توجيه كل الإعانات إلى الطاقة المنخفضة الكربون من قبل الحكومات الغربية. على سبيل المثال، يشير أحدث الأرقام حول مبيعات السيارات التقليدية في الولايات المتحدة إلى استمرار نمو الطلب على الوقود، حيث تشهد جميع شركات صناعة السيارات الكبرى مبيعات أعلى للربع الثالث من العام مقارنة بالعام الماضي. وشهد الاتحاد الأوروبي أيضا ارتفاعا في مبيعات السيارات التقليدية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام. ارتفاع مبيعات السيارات التقليدية يعني ارتفاع الطلب على البنزين، أو على الأقل استقراره. من ناحية أخرى، كان الطلب على الديزل ضعيفا بسبب ضعف النشاط الصناعي في الأسواق الرئيسة مثل الولايات المتحدة. وساعد هذا على تجنب نقص الديزل ـ لأنه لا يوجد ما يكفي من المصافي لإنتاجه. ويبدو أنه على الرغم من تحول الطاقة، إلا أن العالم لا يزال بحاجة إلى مزيد من الطاقة التكريرية.
يعد التنبؤ بالمستقبل طويل المدى لأي صناعة مهمة صعبة. هناك كثير من الأشياء المجهولة حتى نتمكن من تقديم لمحة موثوقة عن العالم بعد عقود من الآن. والمهمة صعبة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بصناعة الطاقة. تميل هذه التنبؤات إلى الاعتماد على افتراضات تعد شبه مؤكدة، إلى ألا تتحقق أبدا. ولعل أفضل مسار للعمل بالنسبة إلى مصافي التكرير هو عدم التسرع في استباق الأنماط المتغيرة في الطلب التي قد يسببها تحول الطاقة.
نقلا عن الاقتصادية