التستر التجاري وضعف حوكمة السوق

19/08/2020 0
د. عامر بن محمد الحسيني

التستر التجاري مفهوم أوجدته الحالة الاقتصادية التي يعيشها بعض دول العالم ذات الفرص التنموية - الدول النامية - Developing country. وهي ممارسة بشرية الهدف منها اختراق الأنظمة والتشريعات والتجاوز عليها من أجل تحقيق مكاسب ومنافع ذاتية لفئة على حساب المجتمع. وارتباط هذه الحالة بمستوى نمو الدول يكون من خلال عدة أوجه من أهمها ندرة اليد العاملة الوطنية وعدم وجودها في سوق العمل بكل مستوياتها، ضعف الأنظمة والتشريعات الخاصة بحوكمة سوق العمل التي تفتح المجال أمام المتلاعبين بهذه السوق لاستغلال الفرص والعمل من خلالها لتحقيق مكاسب خاصة.

بعض الدراسات الاقتصادية تعد التستر التجاري من أنشطة الاقتصاد الخفي التي تتسبب في إنهاك الاقتصاد الوطني من خلال تسرب جزء كبير من الثروة الوطنية المتحققة للخارج من خلال تحويلات العمالة الوافدة التي تسيطر على هذا النشاط. في المقابل، وبالبحث في أدبيات الاقتصاد لا نجد مصطلحا معروفا ومقبولا لمفهوم التستر التجاري في الأسواق المتقدمة نتيجة ارتفاع مستوى الحوكمة في تلك الأسواق. في حوكمة الشركات أحد أهم محفزات البحث والتطوير لمفهوم حوكمة الشركات Corporate Governance هي نظرية الوكالة Agency theory التي ظهرت نتيجة وجود تعارض في المصالح Conflict of interest بين أطراف العلاقة في المنظمات التجارية، ممثلة في الملاك والإدارة التنفيذية، وقاد ذلك إلى الفصل بين الملكية Ownership والإدارة Management. ينشأ من خلال هذه العلاقة ما يعرف بتكلفة الوكالة Agency Cost التي ترغم أطراف السوق على قبول علاقة غير نظامية من أجل تحقيق مصالح غير متكافئة تصب في مصلحة العامل على حساب المواطن والاقتصاد الوطني.

هنا لجأت وزارة التجارة لتعريف التستر التجاري، بأنه "غير السعودي الذي يعمل لحسابه الخاص بتمكين من السعودي أو المستثمر الأجنبي في نشاط محظور عليه، سـواء كـان ذلك عن طـريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجـاري أو بأي طريقـة أخرى". وهذا تعريف إجرائي للممارسة القائمة، لكنه يغفل الأسباب الحقيقة خلف ذلك. كما دأبت الوزارة على محاربة هذا الشكل من أشكال العلاقة التجارية غير الشرعية من خلال الإدارة العامة لمكافحة التستر التجاري، ونشأ أخيرا البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري وهو أحد برامج التحول الوطني 2020. كما صدر أخيرا توجيه المقام السامي بإنشاء لجنة وزارية تتولى الإشراف على البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري وتقترح الحلول والمبادرات التي من شأنها مكافحة ظاهرة التستر والقضاء عليه.

موضوع التستر التجاري موضوع يرتبط بضعف الأنظمة والإجراءات، ووجود خلل فيها يمكن العامل الوافد من ممارسة التنمر على المستثمر المواطن ومساومته من أجل إنجاح مشروعه مقابل حفنة من الريالات، والاستيلاء على الكم الأكبر من هذه النقود وتحويلها تحت غطاء غير شرعي لخارج البلاد، مسببا شرخا لا يمكن معالجته في الناتج المحلي ووفرة النقد الوطني. كما أنه أداة مكنت ضعاف النفوس من المواطنين ممارسي التجارة من استغلال ثغرات النظام لأجل تحقيق مكاسب يسيرة على حساب تشغيل اليد العاملة الوطنية - توطين الوظائف - وتحقيق استقرار واستدامة مالية للأجيال المقبلة. واستمرار هذا النمط مقترن باستمرار النظام الحالي لممارسة التجارة من خلال مؤسسات فردية وهمية لا تخضع لرقابة مالية، ولا تملك سجلات وحسابات تأريخية لممارسة النشاط، وقد تكون سببا لوجود أنشطة خفية أخرى.

 

نقلا عن الاقتصادية