ألا يزال الغاز الطبيعي وقود المستقبل؟

13/08/2020 0
د. نعمت أبو الصوف

تقول شركة بريتيش بتروليوم الآن إنها ستخفض إنتاجها من النفط والغاز بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2030 كجزء من استراتيجيتها لعمليات منخفضة الكربون. لكن سيتساءل كثيرون عن سبب إدراج الغاز الطبيعي وهو الجسر بين حاضر الوقود الأحفوري ومستقبل الطاقة المتجددة في هذه الاستراتيجية. على الرغم من انخفاض انبعاثات الغاز الطبيعي، إلا أنه مهدد أيضا ليس فقط من خلال الأساسيات لكن من خلال الاتجاهات التي تشكل سياسات الطاقة.

ربما تكون اتفاقية الاتحاد الأوروبي الجديدة للطاقة الخضراء هي أفضل مثال على هذه الاتجاهات وتأثيرها في الطلب المستقبلي على الوقود الأحفوري في أوروبا بما في ذلك الغاز الطبيعي. الاتفاقية طموحة للغاية وتستهدف خفض الانبعاثات بنسبة تراوح بين 50 و55 في المائة من مستويات عام 1990 بحلول عام 2030 و100 في المائة بحلول عام 2050. وفقا لمحللي "وود ماكينزي" سيؤدي ذلك من الناحية النظرية إلى خسارة نحو 45 مليار متر مكعب من الطلب على الغاز الطبيعي، أو 12 في المائة من الطلب السنوي الحالي، بحلول عام 2040.

تستهلك أوروبا حاليا نحو 500 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. هذا هو بالفعل أقل من ذروة الطلب على الغاز في هذه القارة، التي حدثت قبل عقد من الزمن، عندما كان الطلب أعلى بنسبة 10 في المائة. ومع ذلك، هناك بعض الأخبار السارة: سيأتي الطلب الجديد على الغاز من قطاع النقل البحري، وذلك بفضل لوائح الانبعاثات الجديدة من المنظمة البحرية الدولية، ومن النقل البري حيث النقل العام يتحول بصورة متزايدة إلى الغاز الطبيعي المضغوط. مع ذلك، تخطط أوربا لبناء محطات استيراد جديدة للغاز الطبيعي لزيادة وارداتها من الوقود وتنويع إمداداتها من الغاز. أكبر اقتصاد في أوروبا، ألمانيا، عازمة على استكمال خط أنابيب السيل الشمالي 2 Nord Stream 2 الذي سيضاعف قدرة تصدير غازبروم على وجه التحديد لمصلحة احتياجات ألمانيا من الطاقة. لذلك يبدو أن أوروبا تستعد لمزيد من الطلب على الغاز وليس أقل.

وبغض النظر عن هذه التوقعات، تستعد أوروبا أيضا لتصبح رائدة في إنتاج الهيدروجين النظيف. يتم إنتاج الهيدروجين النظيف من خلال التحليل الكهربائي باستخدام الكهرباء التي تنتجها مصادر متجددة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية. الخطة طموحة ولا تخلو من تحديات: حيث يخطط الاتحاد الأوروبي للانتقال من واحد جيجاواط في قدرة التحليل الكهربائي للهيدروجين النظيف حاليا، إلى ستة جيجاواط في أربعة أعوام فقط، وزيادة هذا إلى 40 جيجاواط بحلول عام 2030، هذا يمثل إنتاجا سنويا يبلغ عشرة ملايين طن متري. بعبارة أخرى، مهما كان نمو الطلب على الغاز في أوروبا، فسيكون محدودا.

لكن من يهتم بأوروبا عندما تكون هناك آسيا -المحرك الأكبر لنمو الطلب على الغاز في العالم. تستورد آسيا 340 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، ومن المقرر أن تتضاعف هذه الواردات بحلول عام 2040. هذه أخبار جيدة بالتأكيد لمصدري الغاز. إلا أنها ليست كل الأخبار.

بالفعل تتمتع أسواق آسيا النامية بإمكانات هائلة، لكن نمو الطلب على الغاز قد يواجه بعض التحديات. يفتقر عديد من الدول الآسيوية إلى البنية التحتية، والقدرة على تحمل التكاليف حيث يتنافس الغاز المستورد مع الفحم المحلي. الهند مثال على ذلك. تبلغ حصة الغاز في السوق 6 في المائة فقط، أي أقل بكثير من هدف الحكومة البالغ 15 في المائة، ويكافح الغاز من أجل التنافس مع الفحم والانتشار السريع لمصادر الطاقة المتجددة.

المثير للاهتمام ومن المحتمل للأسباب المذكورة أعلاه أن آسيا لم تكن أكبر منطقة نمو للطلب على الغاز في العام الماضي، وفقا لآخر مراجعة إحصائية للطاقة العالمية الصادرة عن شركة بريتيش بتروليوم. لقد كانت أكبر منطقة نمو الولايات المتحدة، حيث نما الطلب على الغاز فيها بمقدار 27 مليار متر مكعب. في آسيا، نما الطلب بمقدار 24 مليار متر مكعب العام الماضي. أشارت "بريتيش بتروليوم" في تقريرها إلى أن إجمالي نمو الطلب العالمي على الغاز في عام 2019 كان أضعف من متوسط الأعوام العشرة وأقل بحدة من معدل النمو المسجل قبل عام واحد فقط. هذا العام مع انتشار جائحة كورونا يمكن أن نتوقع مدى الضرر الذي سيلحق بالطلب على الغاز.

لكن بالنظر إلى المستقبل هل تستطيع الولايات المتحدة الاستمرار في دعم النمو القوي في الطلب على الغاز؟ في هذا الصدد، تتوقع "وود ماكينزي" أن يكون نمو الطلب على الغاز في الولايات المتحدة أضعف في الأعوام المقبلة حيث تتشبع السوق بالتقنيات المنافسة مثل الطاقة الشمسية. وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، في عام 2021 سيرتفع استهلاك الغاز من قبل المستخدمين التجاريين والسكنيين بنسبة 1.6 في المائة. ومع ذلك، فإن الاستهلاك الأمريكي سينخفض هذا العام بنسبة 6.8 في المائة عن عام 2019 بسبب جائحة كورونا وعمليات الإغلاق.

لذلك، هناك تهديدات لنمو الطلب على الغاز في جميع الأسواق الرئيسة. بالطبع لن تحدث التداعيات كلها مرة واحدة لكن هذه التهديدات حقيقية، وستزداد الضغوط تدريجيا على طلب الغاز على مدى أعوام حتى العقود المقبلة. في الوقت الحاضر لا يوجد خطر مباشر على الطلب العالمي على الغاز، باستثناء عودة تفشي فيروس كورونا مرة أخرى الذي قد يؤدي إلى عمليات إغلاق جديدة. لكن هناك تهديدات وسيكون من الحكمة أن يضع المنتجون ذلك في الحسبان. لقد أصبحت المصادر البديلة للطاقة أرخص بشكل متزايد، وهذا ليس اتجاها على وشك الانعكاس.

 

نقلا عن الاقتصادية