حزم التحفيز وآمال التوصل للقاح تدعم أسعار النفط

29/07/2020 0
د. نعمت أبو الصوف

بعد أن قفز سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى أعلى مستوى له في أربعة أشهر في وقت مبكر من الأسبوع الماضي، مدعوما بتكاتف مجموعة "أوبك +"، حزم التحفيز الاقتصادي والآمال في التوصل للقاح لفيروس كورونا، أنهى الخام الأمريكي الأسبوع على انخفاض طفيف، لكنه استمر متمسكا بمكاسبه الأسبوعية. وتأثرت حركة الأسعار بتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين على خلفية ارتفاع حالات فيروس كورونا، ما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط. تفاعلت الأسواق أيضا مع ضعف الدولار، ما جعل الأصول المقومة بالدولار أكثر جاذبية للمشترين المتعاملين بالعملات الأخرى. إضافة إلى ذلك، اتخذت الأسواق نغمة تصاعدية عندما أعلن الاتحاد الأوروبي في وقت مبكر من الأسبوع الماضي الموافقة على حزمة إنعاش ضخمة لدعم الاقتصادات التي تضررت من فيروس كورونا في منطقة اليورو ما عزز توقعات الطلب على النفط. بعد عدة أيام من المفاوضات الصعبة، وافق الاتحاد الأوروبي على حزمة تحفيز بقيمة 750 مليار يورو (859 مليار دولار)، في تضامن غير مسبوق في نحو سبعة عقود من التكامل الأوروبي. وللمرة الأولى ستبيع الدول الأوروبية السندات بشكل جماعي وليس على أساس فردي، وتقوم بتحويل العائدات إلى الدول الأكثر تضررا، خاصة في جنوب أوروبا.

لقد كانت أخبار الاتحاد الأوروبي صعودية للغاية لدرجة أنها شجعت الأسواق على تجاهل البناء المفاجئ في مخزونات النفط الخام الأمريكية والمخاوف من ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة التي يمكن أن تحد من الطلب على الوقود. حيث أفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن ارتفاع مخزون النفط الخام بنحو 4.9 مليون برميل للأسبوع حتى 17 تموز (يوليو). وقالت الإدارة إنه عند 536.6 مليون برميل، كانت المخزونات أعلى بنسبة 19 في المائة من المتوسط الموسمي حيث لا يزال الطلب على الوقود ضعيفا. لكن، يبدو أن هذه العوامل أثرت في الأسعار قبل عطلة نهاية الأسبوع، ما أحدث نغمة أضعف يمكن أن تستمر في الأيام المقبلة. وفي الوقت نفسه، من المقرر أن يبدأ الكونجرس الأمريكي المفاوضات بشأن حزمة تحفيز ضخمة أخرى. تبقى التفاصيل خاضعة لمفاوضات مكثفة، لكن هناك إجماع واسع على أن كلا الحزبين السياسيين يرغب في تمرير حزمة بقيمة تريليون دولار أخرى. لقد رحبت أسواق النفط بهذه التطورات، ما رفع أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوياتها منذ نيسان (مارس).

ما دعم هذا التفاؤل هي الأخبار الإيجابية على جبهة اللقاح لفيروس كورونا. حيث توالى خلال الفترة الأخيرة، إعلان عقارات محتملة فعالة للفيروس، أبرزها لقاح سينوفاك الصيني، لقاح جامعة أكسفورد، لقاح معهد بكين للتكنولوجيا الحيوية، لقاح موديرنا الأمريكية، لقاح جامعة ملبورن الأسترالية، بجانب اعتماد علاجات فعالة مثل دواء ريمديسيفير أو ديكساميثازون. إن هذه التطورات رفعت الحالة المعنوية الإيجابية للأسواق النفطية، في ظل ما يصاحب الأمر من استئناف قوي للأنشطة الاقتصادية وتحسن الطلب.

في ظل هذه المستجدات، ستكون الأسعار أعلى لو لم يكن انتشار فيروس كورونا أسوأ. أساسيات أسواق النفط تصاعدية بشكل متزايد. في هذا الجانب قالت شركة ريستاد إنيرجي Rystad Energy: إن "أسواق الخام العالمية تعاني عجزا في العرض يصل إلى 3.2 مليون برميل يوميا في تموز (يوليو)، وحتى مع تخفيف تخفيضات مجموعة "أوبك +" في الشهر المقبل، سيظل السوق تعاني عجزا في أب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) أيضا بنحو 2.5 مليون برميل يوميا". لذا فإن خطر موجة ثانية من عمليات الإغلاق قد تعوق مكاسب أسعار النفط. وأضافت "ريستاد إنيرجي" أن الموجة الثانية من عمليات الإغلاق ستؤدي إلى انخفاض أسعار النفط. في الوقت الحالي، يظهر الطلب على البنزين في الولايات المتحدة علامات ضعف. في الأسبوع المنتهي في 10 تموز (يوليو)، انخفض الطلب عن الأسبوع الذي سبقه. في الواقع، يبدو أن انتعاش الطلب الذي رأيناه في البنزين على مدى الشهرين الماضيين قد توقف، حيث إن الطلب الحالي عند 8.55 مليون برميل يوميا، لا يزال أقل من مستويات ما قبل جائحة كورونا، ودون المستويات التي شوهدت في الوقت نفسه من العام الماضي بأكثر من مليون برميل في اليوم. ولا تزال فلوريدا، تكساس وكاليفورنيا، من بين قائمة طويلة من الولايات الأخرى، تعاني عددا كبيرا من الإصابات. الولايات المتحدة ليست وحدها. حيث تحتل الهند الآن المرتبة الثالثة عالميا في عدد الإصابات التراكمي. تظهر أحدث البيانات من الهند انخفاضا بنسبة 18 في المائة في الطلب على الديزل في النصف الأول من تموز (يوليو) مقارنة بالفترة نفسها من حزيران (يونيو)، حيث ما يقرب من 30 في المائة من البلاد مقفلة، ما يؤثر في أكثر من 400 مليون شخص.

والسؤال الرئيس الآن هو إلى متى ستنتظر الحكومات قبل تنفيذ إجراءات الإغلاق الجديدة، ومدى صرامة هذه الإجراءات؟ تقترب الولايات المتحدة أيضا من نقطة التحول حيث سيتعين على الولايات أن تقرر مقدار الألم الاقتصادي الذي ترغب في تحمله لإبطاء انتشار الفيروس.

لكن هناك أسباب أخرى تجعل حتى المخاوف ذات الصلة بجائحة كورونا قد لا تؤدي إلى دوامة هبوطية كبيرة لأسعار النفط. حيث لا تظهر صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة أي علامات على النمو من جديد، على الرغم من ارتفاع الأسعار إلى 40 دولارا للبرميل. لقد تباطأ انهيار عدد منصات الحفر إلى مستوى ضئيل، لكن لم تكن لدى شركات النفط الصخري الرغبة في إضافة مزيد من منصات الحفر. حتى إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، التي تميل عادة إلى التفاؤل بشأن الإنتاج، تتوقع أن يستمر إنتاج الولايات المتحدة في التراجع حتى الربع الثاني من عام 2021.

في الوقت نفسه، تكاتف مجموعة "أوبك +" أدى إلى تحسين الامتثال في خفض الإنتاج حتى عندما تحركت لإضافة بعض العرض مرة أخرى إلى السوق. يبشر التزام المجموعة الكامل بالاتفاق، عدم العودة إلى حرب الأسعار مرة أخرى في الأشهر المقبلة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجموعة "أوبك+" توصلت في (أبريل) نيسان إلى اتفاق ينص في مرحلته الأولى على خفض الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا حتى نهاية حزيران (يونيو) تم تمديدها حتى نهاية تموز (يوليو)، يقلص بعدها التخفيض إلى 7.7 مليون برميل يوميا 2020.

 

نقلا عن الاقتصادية