تواجه سوق العمل في المملكة مجموعة من المشكلات والمعوقات تسببت في عدم قدرة الاقتصاد على استيعاب الطاقة البشرية الوطنية في وظائفها، في حين أن السوق قادرة على تقبل حجم كبير من العمالة الوافدة التي تتحرك بحرية في الاقتصاد. هذه نتيجة لمجموعة من العوامل تسببت في معوقات سوق العمل في المملكة وجعلتها تعاني الأضداد "وظائف تنتج من الاقتصاد، وبطالة وطنية تتسبب في هدر موارد بشرية وطنية، وما يتبعها من تسرب للموارد المالية، وعدم استقرار للمعرفة، وضعف الإبداع والتطوير اللذين يقودان إلى المنافسة عالميا".
سوق العمل مرت بمراحل عديدة، أبرز ما يميزها البحث عن الأسهل بغض النظر عن الخيارات الاستراتيجية التي يمكن أن تسهم في توطين الوظائف، وتوطين المعرفة، والانطلاق في مجالات الإبداع من خلال البحث والتطوير، ويكون لها أثر اقتصادي واجتماعي مهم. الزيادة الكبيرة في استقدام العمالة الوافدة جعلت الاقتصاد، لا يستغني عن الوافد في مجالات العمل، ففي عام 2005 كان عدد الوافدين في سوق العمل نحو خمسة ملايين وافد، مع تزايد سنوي بنسب تزيد على متوسط 6.5 في المائة، حتى وصل حجم سوق العمالة الوافدة عام 2013 إلى ما يقارب 8.2 مليون عامل، وفي عام 2016 يزيد على تسعة ملايين وافد.
أسهمت خلال الأعوام العشرة الماضية سياسات سوق العمل في إحداث هذه الأزمة، وغياب الخطة الشاملة والتكاملية بين القطاعات للإسهام في تحسين سوق العمل، وإشراك القوى البشرية الوطنية بفاعلية لمعالجة البطالة بين السعوديين التي ارتفعت خلال الأعوام الماضية لتصل فوق 12 في المائة. في هذا المقال والذي يليه سأحاول نشر عدد من المسببات التي أدت إلى معوقات سوق العمل، وفقدان سيطرة وزارة العمل على هذه السوق، ويجب ألا تلام الوزارة وحدها على ذلك. والجميع يحاول أن يوجد الحلول لكن الحلول بحاجة إلى مسار متكامل، وقد بدأت رؤية المملكة 2030 في إيجاد ذلك المسار.
من أهم الأسباب التي أدت إلى مشكلات سوق العمل في المملكة إسناد مهام إنتاج فرص العمل لوزارة العمل، مع غياب شبه تمام لوزارة الاقتصاد وبقية الوزارات المشرفة على الأنشطة الاقتصادية، ما أربك وزارة العمل بين التشريع والمراقبة وإدارة سوق العمل في القطاع الخاص. فالأنشطة التجارية تنشأ من خلال جهات أخرى، ويتبعها ضرورة منح تأشيرات للعمل دون دراسة لواقع السوق، وحجم التكدس في النشاط، أو للكفاءة المطلوبة.
من بين أسباب وجود هذه المشكلات، إفراد مهمة تنظيم سوق العمل لوزارة العمل فقط. في حين أن بقية الوزارات تمارس دورها في التصريح للأنشطة الخاضعة لتشريعاتها ورقابتها، لكن لا تمارس أي دور في توطين الوظائف في قطاعاتها. وهذا يرهق وزارة العمل ويجعلها عاجزة عن مواجهة كم الأعمال التي تسند إليها. وبالنظر إلى تجربة توطين وظائف القطاع المالي نرى الدور الكبير الذي اضطلعت به مؤسسة النقد في إلزام وتحفيز الجهات الخاضعة لتشريعاتها لتوطين الوظائف بها، وتأسيس مركز التدريب المختص لتأهيل كوادر وطنية لتلبية احتياجات هذا القطاع. وهذه التجربة لا أعتقد أنها تكررت مع أي من القطاعات الأخرى، كالصحة، والتعليم، والتجارة، والمقاولات وغيرها.
في المقال المقبل نستكمل عددا من العوامل التي أدت إلى وجود مشكلات ومعوقات في سوق العمل، وآثارها في توطين الوظائف وتعزيز الاقتصاد المحلي.
نقلا عن الاقتصادية