إعادة التوازن لأسواق النفط وانتهاء المرحلة الأسوأ

16/07/2020 0
د. نعمت أبو الصوف

في بداية الشهر الماضي، اتفقت مجموعة "أوبك +" على تمديد تخفيضات الإنتاج العميقة حتى نهاية تموز (يوليو)، في محاولة منها لإعادة التوازن إلى الأسواق، التي تعاني زيادة العرض في مواجهة الطلب المتأثر جراء تفشي الوباء. لقد كان الاتفاق يقضي بخفض إنتاج المجموعة بمعدل 9.7 مليون برميل في اليوم. ولكن هناك الآن دلائل على أن عملية إعادة التوازن كانت كبيرة، حيث بدأت الأسواق تشهد نقصا في أنواع النفط الرئيسة.

بالفعل، هناك دلائل متزايدة على أن الأسواق تشهد نقصا في إمدادات مزيج خام الأورال والنفط العربي الثقيل بفضل استمرار تخفيضات الإنتاج العميقة، وكذلك انتعاش الطلب من قبل العملاء الرئيسين مثل الصين وشمال آسيا، حيث يتم تداول نفط الأورال الآن، النفط الرئيس في روسيا، بعلاوة PREMIUM عن خام برنت القياسي. على سبيل المثال، تم تداوله في بداية هذا الشهر لفترة وجيزة بعلاوة 2.40 دولار للبرميل فوق خام برنت DATED BRENT ليعكس نقص المعروض. ويشير ذلك إلى تحول حاد مقارنة بخصم أكثر من 4.50 دولار للبرميل المسجل في نيسان (أبريل). في نهاية حزيران (يونيو) تم بيع نفط الأورال تسليم روتردام، مركز تكرير النفط الرئيس في شمال غرب أوروبا، بعلاوة 1.90 دولار للبرميل، هذا قريب من مستوى قياسي مسجل سابقا. وهذا يعني، في الواقع، أن نفط الأورال بيع في روتردام بسعر 45 دولارا للبرميل تقريبا، أي نحو ثلاثة أضعاف سعر تداوله في أوائل نيسان (أبريل)، التي كانت بحدود 15 دولارا للبرميل. كما يلاحظ اتجاه مشابه في أنواع النفوط الحامضية الأخرى، التي تتداول بأسعار ممتازة حتى مع استمرار الطلب العالمي على النفط أقل من المستويات العادية بنسبة 10 في المائة.

في الظروف العادية، تكون عادة أسعار النفط الخام الحامضي المتوسط MEDIUM-SOUR CRUDE، الذي تضخه السعودية وشركاؤها في "أوبك"، أرخص من أسعار النفط الخفيف الحلو الذي يحتوي على نسبة أقل من الكبريت. ومع ذلك، خفضت "أوبك"، التي تضخ في الغالب النفط الخام الحامضي المتوسط، الإنتاج بشكل كبير إلى أدنى مستوى لها منذ 1991. علاوة على ذلك، شهدت إيران وفنزويلا، اللتان تزودان أيضا النفط الخام الحامضي الثقيل والمتوسط، انخفاضا حادا في الإنتاج، بسبب العقوبات الأمريكية وأيضا لعدم وجود الاستثمار.

ونتيجة لذلك، تمكنت شركة أرامكو من رفع أسعار الخام الذي تبيعه للمصافي لمدة ثلاثة أشهر على التوالي. والآن، ولأول مرة على الإطلاق، تبيع "أرامكو" معظم خامها الثقيل، والمعروف باسم الخام العربي الثقيل، بسعر نفطها الرئيس العربي الخفيف نفسه، وهو مؤشر واضح على الطلب القوي على النفط الحامضي المتوسط. في الظروف العادية، تبيع الشركة الخام العربي الثقيل بخصم يراوح بين اثنين وستة دولارات للبرميل عن نفطها العربي الخفيف.

وما يثير الاهتمام أكثر أن النفط الخام الحامضي المتوسط والثقيل للتسليم الفوري يباع بعلاوة عن العقود الآجلة، وهي حالة تعرف بالتراجع BACKWARDATION، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة. هذا يعد تحولا كبيرا عن الوضع قبل شهرين ونصف الشهر فقط، عندما كانت أسواق النفط في حالة عميقة من الكونتانجو CONTANGO، ما يعني أن العقود الآجلة كانت تباع بعلاوة كبيرة عن العقود قصيرة الأجل.

في هذا الجانب، تظهر بيانات بورصة شيكاغو التجارية CME، أن العقود الآجلة للنفط بشكل عام بدأت تميل إلى حالة التراجع - وهي علامة إيجابية لأسواق النفط. بالعودة إلى أيار (مايو)، كانت الأسواق في حالة كونتانجو كبيرة جدا مع العقود الآجلة تسليم حزيران (يونيو) تتداول فقط بنصف قيمة العقود الآجلة لكانون الثاني (يناير) 2021، الوضع الآن أفضل بكثير مع العقود الآجلة لتداول تسليم آب (أغسطس) عند 40.90 دولار للبرميل مقارنة بـ41.54 دولار للعقود الآجلة لكانون الثاني (يناير) 2021.

تعد مجموعات البيانات هذه إشارات مشجعة على أن أعضاء مجموعة "أوبك +" التزموا إلى حد كبير بتعهداتهم، وأن التخفيضات كانت فعالة. في الشهر الماضي، حذرت السعودية وروسيا أعضاء مجموعة "أوبك +" من عدم وجود أي مجال لعدم الامتثال بعد أن وصلت نسبة الامتثال في أيار (مايو) إلى 74 في المائة فقط من التخفيضات المتفق عليها. يذكر أن العراق خفض في حينها 38 في المائة فقط من تعهداته، في حين أن نيجيريا خفضت 19 في المائة فقط من التزاماتها. وفي الوقت نفسه يجب عدم التقليل من أهمية التخفيضات التي يقوم بها المنتجون الأمريكيون. في أيار (مايو)، ذكرت وكالة "رويترز" أن من المتوقع أن ينخفض إنتاج أمريكا الشمالية بنحو 1.7 مليون برميل يوميا بحلول نهاية حزيران (يونيو). في حين توقع وزير الطاقة الأمريكي انخفاض الإنتاج الأمريكي بمقدار اثنين إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا بحلول نهاية العام.

لكن الأهم من ذلك، أن اتجاهات أسعار النفط الأخيرة تؤكد أن تخفيضات الإنتاج تعمل في الواقع على النحو المنشود من خلال المساعدة على إعادة التوازن إلى الأسواق. لقد تسببت جائحة كورونا في انهيار الطلب العالمي على النفط، على سبيل المثال انخفض الاستهلاك الأمريكي إلى مستويات لم يشهدها منذ ما يقرب من أربعة عقود. مع ارتفاع إنتاج النفط العالمي إلى مستويات قياسية، طغى العرض بسرعة على الطلب ما أدى إلى أزمة تخزين حادة أدت إلى انهيار أسعار النفط إلى السالب.

وقد تعافت أسعار النفط منذ ذلك الحين، لكنها لا تزال بعيدة جدا عن مستوى 60 دولارا للبرميل، الذي كان سائدا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. قد تكون أسعار النفط الحالية عند 40 دولارا للبرميل تقريبا حول نقطة التعادل التي تحتاج إليها روسيا لموازنتها، ولكنها بعيدة عن أن تكون مرضية بالنسبة لمعظم دول "أوبك" التي تحتاج إلى 80 دولارا للبرميل أو لأغلبية منتجي النفط الصخري الأمريكي، الذين يحتاجون إلى 50 إلى 55 دولارا للبرميل. لذلك مع انتهاء مستوى التخفيضات الحالي في نهاية هذا الشهر، سيكون من المهم جدا معرفة ما إذا كانت مجموعة "أوبك +" ستمدد خفض مستوى الإنتاج الحالي إلى ما بعد تموز (يوليو) أم ستخفف التخفيضات قليلا.

 

نقلا عن الاقتصادية