شكل الأمر الملكي الكريم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - القاضي باستثناء العاملين السعوديين في منشآت القطاع الخاص المتأثرة بالتداعيات الراهنة لانتشار الجائحة العالمية «كوفيد - 19» من المواد "الثامنة، العاشرة، الـ14" من نظام التأمين ضد التعطل عن العمل، أحد أهم وأقوى إجراءات حماية استقرار الاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي على حد سواء، ومثّل هذا الأمر الملكي الكريم من لدن القيادة الرشيدة جدارا حصينا للحد من التداعيات الاقتصادية العكسية على سوق العمل وتوطينه ونموه، ووفر حلولا متينة بديلة ستسهم - بتوفيق الله - في عدم فقدان العاملين والعاملات من المواطنين وظائفهم، وتوفير الدخل البديل لمن قد يفقد دخله من العمل.
وتضمن الأمر الملكي الكريم منح الحق لصاحب العمل عوضا عن إنهاء عقد العامل السعودي أن يتقدم إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بطلب صرف تعويض شهري للعاملين لديه بنسبة 60 في المائة من الأجر المسجل في التأمينات الاجتماعية لمدة ثلاثة أشهر، بحد أقصى تسعة آلاف ريال شهريا، وبقيمة إجمالية تصل إلى تسعة مليارات ريال، وعدد المؤهلين للاستفادة من التعويض يتجاوز 1.2 مليون عامل سعودي.
وعلى الرغم من عدم وصول حجم ذلك الدعم إلى المستويات الأعلى - كما قد يرى البعض - للمبادرات العاجلة السابقة لمساندة القطاع الخاص، تحديدا المنشآت الصغيرة والمتوسطة والأنشطة الاقتصادية الأكثر تأثرا من تبعات هذه الجائحة، التي وصلت قيمتها إلى 70 مليار ريال، على هيئة إعفاءات وتأجيل بعض المستحقات الحكومية لتوفير سيولة للقطاع الخاص، إضافة إلى برنامج الدعم الذي أعلنت تقديمه مؤسسة النقد العربي السعودي للمصارف والمؤسسات المالية، والمنشآت الصغيرة والمتوسطة بمبلغ 50 مليار ريال في المرحلة الحالية، إلا أنه بالنظر إلى الآثار العكسية الكبيرة التي كان سيتسبب فيها ارتفاع أعداد الفاقدين وظائفهم من المواطنين والمواطنات بتلك الأعداد الهائلة؛ ما يؤكد بصورة مهمة جدا ثقل وزن هذا الأمر الملكي الكريم، الذي منع بفضل من الله وكرمه ومنه حدوث ما لا تحمد عقباه من تبعات لا يعلم مخاطرها الهائلة إلا الله.
ليس بالأمر المعقد على المرء تخيل الآثار العكسية على الاقتصاد والمجتمع، حال ارتفاع أعداد المتعطلين ممن فقدوا وظائفهم بمئات الآلاف منهم في ظل الظروف الراهنة بالغة التعقيد، ليدرك الأهمية القصوى لصدور هذا الأمر الملكي الكريم، وكيف أنه - بمشيئة الله عز وجل - سيمثل جدار حماية لمقدرات البلاد والعباد من أي آثار عكسية محتملة في هذا الشأن الأعلى أهمية على الإطلاق، الذي لن تقف فوائده عند مجرد المساهمة في محافظة مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات على مصدر دخلهم الوحيد، وضمان استقرارهم المادي والاجتماعي؛ بل يمتد أيضا إلى توفير الحماية اللازمة للاستقرار الاقتصادي بكل مكوناته، والتصدي كما يجب لأي تداعيات قد تتسبب في تقويض تلك المكونات من منشآت في القطاع الخاص بكل أحجامها، وعلى اختلاف نشاطاتها التي تمد بلادنا بكل الإمدادات اللازمة للحياة.
ولو نظرنا جميعا إلى التجارب العديدة من حولنا على مستوى دول العالم، وكيف أن تفاوت تلك التجارب من دولة إلى أخرى، قد جر على من كانت أحزمة ومبادرات التصدي لآثار انتشار هذه الجائحة العالمية «كوفيد - 19» أدنى من اللازم ويلات أكبر بكثير مما كان متوقعا، وكبدها خسائر هائلة فاقت عشرات أضعاف قيمة الدعم والحماية الذي كان واجبا اتخاذها، وعلى العكس من ذلك أظهرت الدول التي أدركت كما يجب حجم وخطر تلك الآثار والتبعات المدمرة، وفي مقدمتها بلادنا الغالية - بحمد الله وفضله ومنه -، أنها قد جنبت مقدراتها واقتصادها ومجتمعها تلك الويلات والمخاطر الكبيرة، وأنها ستتجاوز - بمشيئة الله تعالى - فترة هذه الأزمة طال أو قصر مداها الزمني، وهي في وضع أكثر تماسكا ومتانة مقارنة بغيرها من الدول، أو مقارنة بما كان سيؤول إليه وضعها بحال تأخرت أو قصرت عن اتخاذ التدابير اللازمة تجاه هذا الخطر المحدق بكل العالم.
يكمن جوهر النجاح الذي تحقق لبلادنا حتى تاريخه - بحمد الله - في إطار المواجهة الحاسمة ضد انتشار الجائحة العالمية «كوفيد - 19»، تؤكد المؤشرات القائمة والقوية الآن؛ في انطلاقه الرئيس للالتفاف التام لجميع المبادرات وحزم التحفيز والدعم والمساندة من الإنسان أولا وآخرا، وأنه العامل الأساس لنجاح أي جهود تستهدف حماية مقدرات البلاد والعباد، وهو الأمر الذي أدركه قليل من دول العالم المعاصر، وهو أيضا أساس الفوارق الكبيرة جدا التي شهدها ويشهدها المجتمع الدولي خلال الفترة الراهنة، حال النظر إلى أوضاع الدول والمجتمعات التي نجحت في تخفيف حدة آثار وتبعات انتشار الوباء، وأخرى شهد العالم كله سقوطها المروع في كوارث إنسانية ومجتمعية هائلة قبل الاقتصادية والمالية الوخيمة.
لا تزال معركة العالم ضد هذه الجائحة العالمية «كوفيد - 19» مستمرة ولا يعلم حتى ساعته متى ستنتهي، والدعاء الصادق من كل إنسان على ظهر البسيطة أن تنجلي هذه الغمة في أسرع وقت ممكن، ومهما بلغت الخسائر الاقتصادية والمالية، فإنها أبدا لا ولن تصل إلى خسائر الإنسانية ومجتمعاتها.
نقلا عن الاقتصادية