لا توجد دولة معصومة من فيروس كورونا، أظهر الفيروس ضعف البشر وغرورهم بما حققوا من تقدم وتطور. أظهر الفيروس أن بلادنا تحت حكم حق لنا أن نفاخر به الآخرين.
وهنا أشير ابتداء إلى كثرة الشائعات والقيل والقال. تنتشر مقاطع لمتحدثين يعطون نظريات وتفسيرات، ومع الأسف أكثر هؤلاء المتحدثين ليسوا من أهل الاختصاص والإفتاء والمعرفة الراسخة بالأمور التي يتحدثون عنها.
المشكلة أن البعض يعجب بكلامهم، ويراه منطقيا مقنعا. أقول لهؤلاء: من الممكن طرح رواية أو نظرية لحدوث شيء ما، ويمكن أن يحدث هذا الشيء، لكن هل حدث فعلا كما قيل؟ كيف حدث؟ هنا قيمة العلم والتخصص والتثبت. ولولا مطلب التثبت لما كان المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، ولما كانت حاجة إلى القضاء والفصل بين الناس في الخصومات. ذلك أنه محتمل أن المتهم فعل ما اتهم به، لكن احتمال الوقوع لا يعني لزوم الوقوع.
علينا أن نتذكر كلام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ مشددا على أهمية إمساك اللسان: "وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟"، صححه الترمذي والألباني.
واتخذت بلادنا -بحمد الله- عديدا من الإجراءات والاحتياطات التي عملت وتعمل على التخفيف القوي من حدة ووقع وآثار ظهور وانتشار فيروس كورونا.
طبعا وجود أضرار وضعف اقتصادي أمر مؤكد على المستوى العالمي. تعرّض العرض والطلب معا إلى صدمات قوية. وهذا خلاف الأصل. فالمعتاد أن الصدمة في وقت واحد تصيب جانبا واحدا إما العرض أو الطلب. ولا أدخل في مزيد توضيح فقد أشبعت هذه الصدمات وتأثيراتها نقاشا.
اتخذت في بلادنا وعالميا إجراءات ومازال الباب مفتوحا لمزيد.
أصبح التأثير الاقتصادي واضحا بالفعل في الدول الأشد تأثرا بتفشي هذا المرض. في الصين -على سبيل المثال-، حدث تراجع قوي جدا في قطاع الصناعة التحويلية منذ شباط (فبراير) الماضي. ورغم أن هبوط هذا القطاع قد بدأ قبل أخبار الفيروس نتيجة مشكلات؛ منها الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، لكن التراجع زاد حدة مع انتشار الفيروس، نتيجة تأثير قوي ناشئ عن عوامل منها التباعد الاجتماعي.
يدعو صندوق النقد والدول إلى مواجهة وتقليل أضرار الفيروس في الاقتصاد عبر دعم الطلب ومكافحة ما يضعف الاستقرار المالي وسلامة النظام المصرفي. كيف؟ عبر الدعم وتطبيق سياسات تخفض من تطبيق أنظمة كثيرة.
تتخذ خطوات لتخفيف أعباء الديون وتيسير الاقتراض للأسر والشركات، خاصة الصغيرة و/أو المتضررة أكثر من غيرها. وتتخد خطوات لتوفير السيولة حسب حاجة السوق. وهنا تظهر أهمية أكبر للمالية العامة.
هناك آثار سلبية في الجانب المالي؛ فالأوضاع لا تشجع جهات التمويل على منحه. مخاطر السداد زادت. وكون الفائدة منخفضة الأعوام الماضية زاد الطين بلة. فمقابل مخاطر أعلى فوائد أدنى، عكس الأصل. والظروف لا تتيح فرصة رفع تكاليف التمويل. وهنا مبرر قوي لتدخل السلطات بمنح تسهيلات للقطاع المالي تخفف من الأضرار.
نشهد تغييرا في الخريطة الاقتصادية في العالم. على سبيل المثال، قطاع السياحة ضربت سوقه. إلى أي حد هذا التغيير؟ موضوع عريض للنقاش، وظهرت عيوب كبيرة في البنية الاقتصادية العالمية، وفي العلاقات بين البشر وبين الدول والمنظمات. عيوب في الأنظمة الديمقراطية الغربية.
مثال آخر، صناعة السيارات تضررت كثيرا. ومتوقع استمرار هذا الضرر حتى بعد أن يشاء الله القضاء على الفيروس. ومن النتائج توقع انخفاض أسعارها. لكن الانخفاض محكوم بعوامل كثيرة خلاف ضعف الطلب. متوقع مزيد طلب على سلعة من علامات تجارية "ماركات" مقابل انخفاض طلب على منتجات للسلعة نفسها لكن من علامات تجارية أخرى .السبب أن الأحداث أعطت فرصة للثقة بعلامات على حساب علامات.
يرى باحثون صينيون وغير صينيين أن فيروس كورونا انتقل للإنسان من حيوانات برية من نوع الثعابين والقطط ونحوها. ولحوم هذه الحيوانات تؤكل في عديد من الدول. لكننا نعرف أيضا أن أكلها محرم شرعا. ولعل الأحداث تدفع العالم أكثر إلى منع استهلاك هذه الحيوانات.
إن تحريم شرعنا للحومها ليس بغريب. فالشرع يراعي مصالح الناس. وهنا أشير إلى تقرير نشرته "نيوزويك" الأمريكية الشهيرة التي ألقت فيه الضوء على تعاليم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنه أول مَن اقترح الحجر الصحي والنظافة الشخصية في حالات انتشار الوباء. ولقي هذا التقرير تفاعلا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، بما يؤكد أهمية تطبيق تعليمات البقاء في المنازل والحجر الصحي لمواجهة فيروس كورونا الجديد، أو ما بات يعرف باسم "كوفيد-19". مما قيل هل تعلمون مَن أول مَن اقترح النظافة الشخصية والحجر الصحي خلال انتشار وباء؟ إنه محمد، نبي الإسلام قبل أكثر من 1400 عام. لم يكن لديه "صلى الله عليه وسلم" أي علم وخبرة بشؤون الأوبئة المميتة، فقد قدم نصائح لمواجهة تطورات مثل "كوفيد - 19"
من تأثيرات الفيروس أنه دفع كثيرا من النساء في العالم، إلى تجاهل الحلل والسترات لارتداء ملابس فضفاضة مريحة. من تأثيرات الفيروس دعوة الناس إلى التخفيف من الكماليات، وإعطاء احتياطات أقوى للمستقبل. وكان هذا الإعطاء جوهر نصيحة يوسف -عليه السلام- لملك مصر.
نسأله -سبحانه- أن يزيل الغمة ويصلح الأحوال.
نقلا عن الاقتصادية