انخفضت أسعار النفط في الأيام الأخيرة لتصل إلى 30 دولارا للبرميل. أي تقريبا نصف الأسعار السائدة مطلع هذا العام 2020. بدأ التراجع قبل أسابيع، أي قبل ظهور خبر فيروس كورونا -عافانا الله وإياكم والبلاد منه آمين-، وازداد التراجع مطلع هذا الشهر بفعل آثار الفيروس. ثم زادت حدة التراجع بعد فشل اجتماع "أوبك" بمشاركة روسيا نهاية الأسبوع الماضي. ولا أجد حاجة إلى عرض تفاصيل ما حصل بعد الاجتماع، فهي موجودة متاحة في مختلف وسائل الإعلام.
ما يهم بحثه وفهمه تأثير الانخفاض في الاقتصاد والمالية العامة خاصة، في إيرادات الدولة وعجزها. والكلام بلغة عامة لضيق المقام عن التفصيل.
صدرت ميزانية هذا العام متوقعة عجزا في حدود 187 مليار ريال. وبنيت التوقعات على أسعار النفط السائدة أواخر العام الماضي وبدايات هذا العام. وللتوضيح، الإيرادات النفطية الداخلة في الميزانية أقل من مجمل الإيرادات النفطية بمعدل يراوح في المتوسط بين 15 و25 في المائة، وأهم سبب تغطية نفقات أعمال "أرامكو" ثم تحقيق حد مقبول من الأرباح للشركة.
الانحدار بالغ الحدة في أسعار النفط ليس بجديد، فقد تميز النفط عبر الأعوام بالتقلبات شديدة الحدة في أسعاره، وتميزت أسعاره بحساسية شديدة للتقلبات في العرض والطلب. وكلما اهتزت الثقة زادت التقلبات.
يهمنا أن نسأل: هل ما حصل تصحيح سعري مؤقت؟ أم أننا نشهد تراجعا راسخا في الأسعار؟
أساسيات العرض والطلب تشير إلى أن انخفاض الأسعار الحاد الذي شهدناه أخيرا انتكاسة أو قل انخفاضا مؤقتا في الأسعار، تأثرا بعوامل أشبعت نقاشا، ويعرفها القراء، ويظهر من طبيعتها أنها عوامل مؤقتة. والقصد أنها ليست عوامل ذات طبيعة راسخة. ذلك أن الأوضاع العالمية بمختلف جوانبها وخصوصا الاقتصادية والنفطية تجعل من الصعب جدا توفير نفط رخيص بصورة تتصف بالرسوخ والبقاء الطويل.
السؤال التالي: ما تأثير هذا التراجع في الأسعار في الاقتصاد عامة والمالية العامة خاصة؟
أهمية الإنفاق الحكومي في تحريك الاقتصاد أمر معروف في بلادنا وغير بلادنا. والخلافات بين أهل العلم في هذا الشأن في التفاصيل. والمصدر الأكبر لهذا الإنفاق في بلادنا هو إيرادات النفط. أمر معروف للقاصي والداني.
وتسعى الـ"رؤية" إلى إحداث خفض قوي في هذا الاعتماد. ولدينا تفاؤل بنجاح هذا السعي. لكنه يحتاج إلى وقت معتبر.
مع وصول سعر برميل النفط إلى دون 40 دولارا وقت كتابة هذا المقال، ومع توقع استمرار انخفاض أسعار النفط بقية هذا العام، فإن لنا أن نطرح سؤالا جوهريا: هل ستفرض هذه الأوضاع على الحكومة خفض إنفاقها فورا لبقية هذا العام، ونحن ما زلنا في ربعه الأول؟ وماذا عن العام الذي يليه؟
لكن من المهم توضيح أن المقصود ما حصل من انخفاض في السعر قبل اجتماع "أوبك" أخيرا. أما الانخفاض الذي حصل بعد فشل الاجتماع مباشرة فخارج النقاش. وهنا توضيح لماذا. لو افترضنا أسعارا في حدود 35 دولارا حاليا، مقارنة بأسعار في حدود 45 دولارا قبل زيادة الإنتاج التي أعلنتها المملكة بعد فشل اجتماع "أوبك"، وهي زيادة موجهة كلها للتصدير. ولو قلنا إن الصادرات قبل اجتماع "أوبك" في حدود سبعة ملايين برميل يوميا، والزيادة من المملكة بعد فشل الاجتماع من حيث المتوسط بلغت نحو مليوني برميل يوميا بقية هذا العام، فما النتيجة؟ انخفاض الإيرادات نتيجة انخفاض السعر بتأثير زيادة الإنتاج قابلته تقريبا زيادة في الإيرادات نتيجة زيادة الصادرات. وإن وجد فرق فهو ليس بهذه الضخامة.
وعودة إلى السؤال الجوهري، فالجواب: يتوقع خفض الإنفاق الحكومي. إن طبيعة الحياة والاقتصاد كما خلق الله -سبحانه-، تجعل البشر يمرون بظروف يتعين عليهم الاختيار بين خيارات. ومتى زاد العلم والحكمة زادت جودة الاختيار. ووصية يوسف -عليه السلام- لملك مصر، على سبيل المثال، قامت على أساس خفض الإنفاق في وقت؛ ادخارا لوقت آخر.
لكن أي خفض؟ يشمل الخفض أو يتركز على إيقاف بنود نفقة أو تأجيلها استنادا إلى معايير تتركز على قلة الضرر من الإيقاف أو التأجيل. كما يعتمد حجم هذا الخفض ومدى استمراره على عدة عوامل. مثلا مستوى الأسعار للشهور المقبلة، فرجوع الأسعار إلى 40 غير 45 غير 50 وهكذا. في المقابل من المستبعد جدا حصول تخفيض قوي في الإنفاق الحكومي لخمسة أسباب:
أولا: وجود احتياطيات هائلة بحمد الله وفضله.
ثانيا: استبعاد بقاء أسعار النفط منخفضة كثيرا مدة طويلة.
ثالثا: برامج الإصلاح التي بدئ بتطبيقها.
رابعا: الظروف الحالية محليا وخارجيا تزيد الحاجة إلى استمرار الإنفاق الحكومي دون خفض كبير عن الوتيرة الحالية.
خامسا: قامت الدولة ومتوقع أن تقوم أيضا بدعم أنشطة اقتصادية نتيجة تأثرها السلبي القوي من تبعات الفيروس -حمانا الله جميعا منه.
وهنا يشار إلى إعلان مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" إعداد برنامج تصل قيمته إلى نحو 50 مليار ريال في المرحلة الحالية، يستهدف دعم القطاع الخاص وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال حزمة إجراءات.
لو استمرت أسعار النفط على مستواها الحالي بقية هذا العام، فهذا يعني استمرار وجود العجز المعلن في الميزانية وقت إقرارها قبل ثلاثة أشهر، أعني قرابة 187 مليار ريال.
الخلاصة: إن الـ"رؤية" عملت على تقليل تأثر الإيرادات العامة بإيرادات النفط وتقلباتها. ويقترح في هذا الأمر أن نضع حدودا للارتباط بين الاثنين: الإيرادات النفطية والإنفاق العام. ومن طرق تحقيق ذلك خفض مستويات الأسعار المطلوبة لتوازن الميزانية. وهناك عديد من السياسات التي ممكن تطبيقها لتقليل تضرر القطاعات الإنتاجية من آثار تقلب الدخل النفطي، وتأثيراته السلبية في تلك القطاعات. وندعوه -سبحانه- أن يوفقنا لمزيد تقليل بأقل أثر غير مرغوب فيه.
نقلا عن الاقتصادية
ما يهم بحثه وفهمه تأثير الانخفاض في الاقتصاد والمالية العامة خاصة، في إيرادات الدولة وعجزها. والكلام بلغة عامة لضيق المقام عن التفصيل.
صدرت ميزانية هذا العام متوقعة عجزا في حدود 187 مليار ريال. وبنيت التوقعات على أسعار النفط السائدة أواخر العام الماضي وبدايات هذا العام. وللتوضيح، الإيرادات النفطية الداخلة في الميزانية أقل من مجمل الإيرادات النفطية بمعدل يراوح في المتوسط بين 15 و25 في المائة، وأهم سبب تغطية نفقات أعمال "أرامكو" ثم تحقيق حد مقبول من الأرباح للشركة.
الانحدار بالغ الحدة في أسعار النفط ليس بجديد، فقد تميز النفط عبر الأعوام بالتقلبات شديدة الحدة في أسعاره، وتميزت أسعاره بحساسية شديدة للتقلبات في العرض والطلب. وكلما اهتزت الثقة زادت التقلبات.
يهمنا أن نسأل: هل ما حصل تصحيح سعري مؤقت؟ أم أننا نشهد تراجعا راسخا في الأسعار؟
أساسيات العرض والطلب تشير إلى أن انخفاض الأسعار الحاد الذي شهدناه أخيرا انتكاسة أو قل انخفاضا مؤقتا في الأسعار، تأثرا بعوامل أشبعت نقاشا، ويعرفها القراء، ويظهر من طبيعتها أنها عوامل مؤقتة. والقصد أنها ليست عوامل ذات طبيعة راسخة. ذلك أن الأوضاع العالمية بمختلف جوانبها وخصوصا الاقتصادية والنفطية تجعل من الصعب جدا توفير نفط رخيص بصورة تتصف بالرسوخ والبقاء الطويل.
السؤال التالي: ما تأثير هذا التراجع في الأسعار في الاقتصاد عامة والمالية العامة خاصة؟
أهمية الإنفاق الحكومي في تحريك الاقتصاد أمر معروف في بلادنا وغير بلادنا. والخلافات بين أهل العلم في هذا الشأن في التفاصيل. والمصدر الأكبر لهذا الإنفاق في بلادنا هو إيرادات النفط. أمر معروف للقاصي والداني.
وتسعى الـ"رؤية" إلى إحداث خفض قوي في هذا الاعتماد. ولدينا تفاؤل بنجاح هذا السعي. لكنه يحتاج إلى وقت معتبر.
مع وصول سعر برميل النفط إلى دون 40 دولارا وقت كتابة هذا المقال، ومع توقع استمرار انخفاض أسعار النفط بقية هذا العام، فإن لنا أن نطرح سؤالا جوهريا: هل ستفرض هذه الأوضاع على الحكومة خفض إنفاقها فورا لبقية هذا العام، ونحن ما زلنا في ربعه الأول؟ وماذا عن العام الذي يليه؟
لكن من المهم توضيح أن المقصود ما حصل من انخفاض في السعر قبل اجتماع "أوبك" أخيرا. أما الانخفاض الذي حصل بعد فشل الاجتماع مباشرة فخارج النقاش. وهنا توضيح لماذا. لو افترضنا أسعارا في حدود 35 دولارا حاليا، مقارنة بأسعار في حدود 45 دولارا قبل زيادة الإنتاج التي أعلنتها المملكة بعد فشل اجتماع "أوبك"، وهي زيادة موجهة كلها للتصدير. ولو قلنا إن الصادرات قبل اجتماع "أوبك" في حدود سبعة ملايين برميل يوميا، والزيادة من المملكة بعد فشل الاجتماع من حيث المتوسط بلغت نحو مليوني برميل يوميا بقية هذا العام، فما النتيجة؟ انخفاض الإيرادات نتيجة انخفاض السعر بتأثير زيادة الإنتاج قابلته تقريبا زيادة في الإيرادات نتيجة زيادة الصادرات. وإن وجد فرق فهو ليس بهذه الضخامة.
وعودة إلى السؤال الجوهري، فالجواب: يتوقع خفض الإنفاق الحكومي. إن طبيعة الحياة والاقتصاد كما خلق الله -سبحانه-، تجعل البشر يمرون بظروف يتعين عليهم الاختيار بين خيارات. ومتى زاد العلم والحكمة زادت جودة الاختيار. ووصية يوسف -عليه السلام- لملك مصر، على سبيل المثال، قامت على أساس خفض الإنفاق في وقت؛ ادخارا لوقت آخر.
لكن أي خفض؟ يشمل الخفض أو يتركز على إيقاف بنود نفقة أو تأجيلها استنادا إلى معايير تتركز على قلة الضرر من الإيقاف أو التأجيل. كما يعتمد حجم هذا الخفض ومدى استمراره على عدة عوامل. مثلا مستوى الأسعار للشهور المقبلة، فرجوع الأسعار إلى 40 غير 45 غير 50 وهكذا. في المقابل من المستبعد جدا حصول تخفيض قوي في الإنفاق الحكومي لخمسة أسباب:
أولا: وجود احتياطيات هائلة بحمد الله وفضله.
ثانيا: استبعاد بقاء أسعار النفط منخفضة كثيرا مدة طويلة.
ثالثا: برامج الإصلاح التي بدئ بتطبيقها.
رابعا: الظروف الحالية محليا وخارجيا تزيد الحاجة إلى استمرار الإنفاق الحكومي دون خفض كبير عن الوتيرة الحالية.
خامسا: قامت الدولة ومتوقع أن تقوم أيضا بدعم أنشطة اقتصادية نتيجة تأثرها السلبي القوي من تبعات الفيروس -حمانا الله جميعا منه.
وهنا يشار إلى إعلان مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" إعداد برنامج تصل قيمته إلى نحو 50 مليار ريال في المرحلة الحالية، يستهدف دعم القطاع الخاص وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال حزمة إجراءات.
لو استمرت أسعار النفط على مستواها الحالي بقية هذا العام، فهذا يعني استمرار وجود العجز المعلن في الميزانية وقت إقرارها قبل ثلاثة أشهر، أعني قرابة 187 مليار ريال.
الخلاصة: إن الـ"رؤية" عملت على تقليل تأثر الإيرادات العامة بإيرادات النفط وتقلباتها. ويقترح في هذا الأمر أن نضع حدودا للارتباط بين الاثنين: الإيرادات النفطية والإنفاق العام. ومن طرق تحقيق ذلك خفض مستويات الأسعار المطلوبة لتوازن الميزانية. وهناك عديد من السياسات التي ممكن تطبيقها لتقليل تضرر القطاعات الإنتاجية من آثار تقلب الدخل النفطي، وتأثيراته السلبية في تلك القطاعات. وندعوه -سبحانه- أن يوفقنا لمزيد تقليل بأقل أثر غير مرغوب فيه.
نقلا عن الاقتصادية
مشكلة المكابرة على النفط ترى ماعندك غيره دخل من الخارج عليه الكلام وله ثقله لاضرايب نافعه ولا غرامات ولا سياحة ولا ترفية لكن نسأل الله البركه والستر ! صحيح انه مطلوب عدم الأعتماد عليه لكن شي شبه مستحيل لولا الله ثم هالبترول كان علوم
لكن تذكر اخ صقر ايضا ان النفط شيئا فشيئا يصبح مجرد سلعه مثل اي سلعه ( فقد بريقه ) وكل يوم دوله جديده تدخل على خط الانتاج ! في السابق كانت اوبك لها الكلمه الاولى والاخيره في موضوع النفط انتاجا وتصديرا وتسعيرا ، بينما اليوم هي مجرد منتج من بين عشرات المنتجين. ... وعملية الاتفاق بين عدد كبير من المنتجين والمصدرين على حصص الانتاج وبالتالي تحديد السعر يصبح مهمه شاقه ان لم تكن مستحيله !! ومايجعل الامر اكثر تعقيدا هو المتغيرات الدوليه والصراع الاقتصادي العنيف بين القوى العظمى والله اعلى واعلم.