صدر قبل أيام أمر ملكي بتكليف وزير المالية، بوزارة الاقتصاد والتخطيط، إضافة إلى عمله وزيرا للمالية. ولعل هذا الأمر الملكي يجر إلى الحديث عن علاقة المالية بالاقتصاد والتخطيط. طبعا مالية الدولة أداة أساسية في تحقيق الـ"رؤية" وتطوير الاقتصاد. وقلت أداة، أي إنها ليست الأداة الوحيدة، فهناك أدوات أخرى. ولولا ذلك، لضمت وزارة الاقتصاد إلى المالية. وللعلم كانت وزارة المالية قبل أعوام طويلة تضم الشؤون الاقتصادية، بل كانت تتبعها جهات حكومية كثيرة، نظرا لأن المالية من أوائل الوزارات المؤسسة في الدولة، فقد أُسست في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، قبل تأسيس مجلس الوزراء وأغلب الوزارات.
لدينا "رؤية 2030"، ومعها بنية تنظيمية ومجلس الشؤون الاقتصادية، ومشاريع وبرامج تحول وطني وخصخصة وغيرها. ولدينا خصخصة جزئية لـ"أرامكو"، وعمليات تطوير كبيرة لصندوق الاستثمارات العامة. ما سبق يفتح الباب لسؤال أو نقاش عن دور ومهمة وزارة الاقتصاد والتخطيط في ظل هذه التطورات.
لا نحتاج إلى طرح سؤال مشابه عن وزارات؛ كالصحة أو التعليم أو الدفاع، فالجواب محدد معروف. أما الاقتصاد فشأنه واسع تتعاطاه وزارات وهيئات حكومية مستقلة كثيرة. قطاع الصناعة مثلا، له وزارة، وكذلك قطاع الزراعة وقطاع الطاقة وهكذا في باقي القطاعات الاقتصادية. وهذه الوزارات ليست تحت وزارة الاقتصاد.
أخذا بالوضع كما هو، كان تنفيذ مشاريعنا الاقتصادية الكبرى دون المطلوب بل دون الممكن. وفي هذا أنقل كلام الدكتور أحمد صلاح؛ وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط للشؤون الاقتصادية سابقا "إن مشكلة الاقتصاد السعودي ليست في الإنفاق أو الطموح أو التوجيهات أو الخطط؛ بل في التنفيذ". المصدر "الاقتصادية"، عدد الخميس 10 مايو 2012. وكانت إحدى مشكلات التنفيذ أولا عدم وجود جهة تنفيذية أعلى، وثانيا ضعف الربط والتنسيق بين وزارتي المالية والاقتصاد. وبالمناسبة، أقترح إضافة في اسم وزارة المالية لتكون "وزارة المالية العامة". فمعروف أن الوزارة غير مسؤولة عن السوق المالية والقطاع المالي؛ بل عن مالية الدولة المسماة بالإنجليزية public finance. ولهذا نرى دولا كثيرة كأمريكا وغيرها لا تستخدم مسمى مالية finance؛ بل خزانة.
مقارنة بتجارب دول أخرى ذات اقتصادات ناجحة، بما يسمى الاقتصادات أو الأسواق الصاعدة؛ ككوريا الجنوبية والصين والبرازيل وغيرها. تلك الدول اتخذت خطوات تأسيسية إشرافية على رأسها تكوين هيئات تنفيذية عليا هدفها تنمية أو تحويل الاقتصاد، عليها مسؤول رتبته أعلى من وزير. أي إن الهيئة من تلك الهيئات كانت أعلى في الصلاحيات والقدرات من الوزارات حيث يعتمد عليها في المراجعة والتنسيق ومراقبة ومتابعة التنفيذ.
المشكلة السابقة أدركها جيدا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. بعد طرح الـ"رؤية"، تم تأسيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي العهد. المجلس يشرف على تنفيذ الـ"رؤية".
من ضمن منتجات الـ"رؤية": إدخال تطوير في وزارة المالية يعنى بالتطورات الاقتصادية في الدولة. وتبعا تم تأسيس إدارة أو وكالة للسياسات المالية الكلية. كما أجريت مراجعة شاملة للميزانية العامة للدولة وتقسيماتها، بغية جعلها أكثر تلبية لمتطلبات الشفافية من جهة ومساندة مسؤولي الدولة على وضع الخطط واتخاذ القرارات المناسبة في مجالات التنمية الثلاث الرئيسة: النمو الاقتصادي وحفظ الموارد الطبيعية والتنمية الاجتماعية. وتبعا في تعزيز كفاءة وفاعلية الإنفاق الحكومي ومستوى الخدمات المقدمة بما يحقق الاستدامة المالية والاستقرار والنمو الاقتصادي والتنمية.
التطوير السابق في وزارة المالية متداخل بعض الشيء مع عمل وزارة الاقتصاد، يضاف إلى تداخل عمل وزارة الاقتصاد مع وزارات أخرى. لذا قد يرى تطوير وزارة الاقتصاد لتكون جهازا تنفيذيا تابعا لمجلس الشؤون الاقتصادية.
مقترح أن يكون على رأس هذا الجهاز مساعد لرئيس المجلس، أما أعضاؤه فتنفيذيون يمثلون الجهات الحكومية الممثلة في مجلس الشؤون الاقتصادية، ومناطق المملكة، والقطاع الخاص نظرا لأن زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد قضية استراتيجية. وربما يضم أيضا ممثلين لما يسمى منظمات المجتمع غير الربحي.
من الممكن اعتبار الجهاز التنفيذي مجلسا مصغرا لمجلس الشؤون الاقتصادي والتنمية. ومن مهامه الأساسية التنسيق ومتابعة برامج ومشاريع الـ"رؤية"، والتنسيق بين الأجهزة الممثلة فيه. من المهم جدا حسن اختيار أعضاء الجهاز التنفيذي وموظفيهم، وأن يكونوا متفرغين، أسوة بمجالس أخرى أعضاؤها متفرغون. أما تكوين مجلس أو لجنة غير متفرغة تمثل فيها مختلف الجهات المعنية بالطريقة المعتادة التقليدية في تكوين اللجان فلا أراه مناسبا.
نقلا عن الاقتصادية