كيف تستثمر في شركة تعمل عن بعد

26/02/2020 2
عاصم الرحيلي

يحكي سيد سيبرانديج مؤسس شركة جيت لاب - المتخصصة في أدوات البرمجة والتي تبلغ قيمتها السوقية 2.75 مليار دولار أمريكي وتتبنى نظام العمل عن بعد بالكامل- عن الصعوبات التي واجهها فريق العمل في البدايات لإقناع المستثمرين بضخ أموالهم في الشركة، إذ كانت وجهة نظر المستثمرين إن عدد الشركات التي تتبنى نظام العمل عن بعد في ذاك الوقت لم يكن قد تجاوز اثنان، ولكن راهن فريق جيت لاب  على نجاح الفكرة وكان على يقين أن نظام العمل عن بعد سيؤدي إلى نمو الشركة بشكل أسرع، فالساعة والنصف التي يقضونها في التنقل من المنزل إلى المكتب لن تترجم إلى زيادة في الإنتاجية بالقدر نفسه.

أدى النجاح والنمو الكبيرين الذين حققتهما جيت لاب خلال 6 سنوات فقط، إلى تحول المستثمرين من متشككين إلى دعاة للعمل عن بعد، وأصبح اهتمامهم ينصب على الاستثمار في الشركات التي تتبنى نظام العمل هذا لاعتقادهم أنها ميزة تنافسية كبيرة.  

وفي دراسة نشرتها CNBC تبين أن 70% من القوى العاملة في العالم تعمل عن بعد مرة واحدة في الأسبوع على الأقل ، والإحصائيات تشير إلى أن العمل عن بعد نمأ بنسبة 159 ٪ في السنوات الـ 12 الماضية.  

العمل عن بعد العربي في أول الطريق

إذا كان العمل عن بعد هو جزء من الحاضر على المستوى العالمي بالنسبة لشركات عديدة كبرى مثل أوتوماتيك Automattic وديل Dell وزابير Zapier  وإنفيجين INvisionوغيرها، ففي العالم العربي، لا يزال العمل عن بعد مفهوما غائبا لدى الكثير من رواد الأعمال. ولكن مع ظهور أسماء عربية مثل حسوب، زد، هيكل ميديا، وهي أمثلة بارزة لشركات تبنت نظام العمل عن بعد وحققت نجاحا جيدا إلى الآن، يتبين أن السوق العربي هو بيئة خصبة لنمو هذه النوعية من الشركات.

على سبيل المثال شركة حسوب إحدى الشركات العربية الأولى التي تبنت نظام العمل عن بعد بالكامل، يتألف فريق عملها  مما يزيد عن  40 موظفا موزعين على 10 دول مختلفة.

تقول حسوب المتخصصة في تطوير حلول الويب بما يخدم المستخدمين العرب؛ في دليل موظفيها الذي نشرته لترشد الشركات العربية التي تنوي تبني نظام العمل عن بعد؛ أنها استهدفت من تبني هذا النظام تسهيل توظيف أفضل الخبرات العربية المتواجدة على امتداد مساحة الوطن العربي دون التقيد بموقع جغرافي معين.

وعلى الطريق نفسه الذي سلكته شركات عالمية ناجحة تعمل عن بعد، نمت حسوب نموا سريعا منذ تأسيسها عام 2011 وإلى الآن، وأطلقت عدة مشاريع ناجحة، وأكبر منصتي العمل الحر "مستقل" و"خمسات"، وكان أحدث مشاريعها هو أداة "أنا"  لإدارة المشاريع.
 
الاستثمار في شركة تعمل عن بعد: الفرص والتحديات

يجب الاستثمار لغة الأرقام، وإن لم تكن الأرقام السابقة التي تعكس النمو والنجاح الذي حققه أسلوب العمل عن بعد؛ كافية لتشجيع الانفتاح على الاستثمار في الشركات التي تعمل عن بعد، فمزايا الاستثمار في هذا النوع من الشركات، يمكن إيجازها في النقاط الآتية:

●توسيع قاعدة استقطاب المواهب من مواقع جغرافية مختلفة

تبحث الشركات عن كفاءات ومواهب تملك مهارات عالية المستوى وخبرة واسعة من شأنها إضافة قيمة إلى الشركة، وغالبا ما تملك هذه الكفاءات خيارات توظيف عديدة لدى شركات أخرى تجعل التنافس على استقطابهم أمرا صعبا، ويتميز أسلوب العمل عن بعد بتوسيع قاعدة الكفاءات المعروضة لتشمل مدنا وبلدانا أخرى مختلفة، بالإضافة إلى أنه الخيار الأكثر جذبا للكفاءات التي تبحث عن أساليب العمل الذكية التي توفر أوقات ومصروفات الانتقال من وإلى العمل يوميا، وتُزيد من الإنتاجية، وتحقق التوازن بين العمل والحياة.

●معدل حرق تمويل منخفض

عندما يضخ المستثمر أموالا في شركة فهو يعلم أن هذه الأموال ستنفقها الشركة خلال فترة زمنية محدودة، ويعني انخفاض معدل حرق التمويل أن الإنفاق سيتم بوتيرة أقل وستبقى الأموال في الشركة لفترة أطول، وبما أن تكاليف (العمل من المكتب) تستهلك جزءا كبيرا من ميزانية الشركة التي تُنفَق على شكل مصروفات تأجير وفواتير كهرباء وهاتف ونفقات سفر .. إلخ. وفي ظل انخفاض التكاليف الناجم عن تبني أسلوب العمل من المنزل، ينجذب العديد من المستثمرين إلى الشركات التي تعمل عن بعد.
  
●عمل فعال ونتائج أفضل

تهتم الشركات التي تعمل عن بعد بالنتائج أكثر من ساعات العمل، على سبيل المثال تقوم فلسفة العمل العميق Thoughtful Working التي تتبناها شركة Hotwire العاملة عن بعد على تشجيع الموظفين على العمل من المكان الذي سيجعل أدائهم أكثر فعالية للعملاء وللزملاء ولأنفسهم، ولا تسمح لتعقيدات مثل الموقع الجغرافي أو الالتزامات الأسرية أن تستبعد أشخاصا معينين من الانضمام إلى الشركة، وترى أن هذه الاستراتيجية البسيطة تهدف إلى جعل الموظفين أكثر سعادة لكي يحققوا أفضل نتائج.

وعلى الرغم من مزايا الاستثمار في الشركات التي تعمل عن بعد، فإن اتخاذ قرار الاستثمار في هذا النوع من الشركات ليس قرارا سهلا بالنسبة للكثيرين خاصة ممن لم ينفتحوا بعد على ثقافة العمل عن بعد، وتكون مسألة تقييم الشركة التي تعمل عن بعد تحديا يثير بعض علامات الاستفهام.

كيف يتم تقييم الشركة التي تعمل عن بعد؟

تتشابه معايير تقييم الشركات التي تعمل عن بعد مع معايير تقييم الشركات التقليدية في بعض النواح وتختلف معها في نواح أخرى، ويعود هذا الاختلاف إلى الطبيعة التقنية التي تتسم بها هذه الشركات، فممارسة نشاط تجاري عبر الإنترنت وبيع المنتجات الرقمية وتقديم الخدمات البرمجية SaaS كالتطبيقات والمنصات تجعل طريقة التقييم مزيجا من طرق تقييم الشركات التقليدية والشركات التي تعمل عبر الإنترنت والشركات البرمجية، وفيما يلي نعرض جملة من العوامل التي يتم على أساسها تقييم الشركات التي تعمل بعد: 

1.أصول الشركة

بالإضافة إلى الأصول الملموسة التقليدية كالمكاتب التي تمتلكها الشركات العاملة عن بعد لتمثلها في مدينة أو أكثر، تملك هذه الشركات أصولا أخرى غير ملموسة:

●المنتجات والخدمات بكافة أشكالها سواء رقمية أو غير رقمية، بالإضافة إلى أي تقنية متخصصة وفريدة تمتلكها الشركة من فئة التقنيات المستقبلية كتقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة ..إلخ.

●قنوات التسويق والتوزيع العضوية والمدفوعة والحملات التسويقية والحسابات الاجتماعية ومعدلات التحويل وعدد الكلمات المفتاحية التي استطاعت الحصول على ترتيب جيد فيها بنتائج البحث على الإنترنت.

●الاسم التجاري، الملكية الفكرية، براءات الاختراع، متطلبات الترخيص.

●أسهم الشركة المخصصة لجذب الموظفين في المستقبل، والتي تُخصم من إجمالي قيمة الشركة، وبالتالي تتناسب عكسيا مع تقييم الشركة النهائي.

2.أرباح الشركة
 
يعد تحديد الأرباح التي تجنيها الشركة والتي يتم حسابها بعد خصم المصروفات والتكاليف من إجمالي الدخل عاملا أساسيا في تقييم أي شركة، ويشمل كذلك إتجاهات الأرباح خلال 3:1 سنوات ماضية والأشهر القليلة الفائتة، وهل حدث انحراف كبير في مستوى الأرباح على مدار تاريخ الشركة المالي أم لا؟
وتتمتع كل من الشركات البرمجية التي تنتج مزيجا مناسبا يحظى بمعدلات طلب مرتفعة و شركات SaaS التي يتوسع سوقها بمرور الوقت بميزة نمو إيراداتها بشكل كبير وهو ما يؤدي إلى زيادة في تقييمها، ولكن تبقى بعض التحديات أمامها كي تحافظ على تقييم مرتفع وهو مدى التحسين المستمر لأدائها كي تصمد في المنافسة بالإضافة إلى قدرتها على السيطرة على تكاليف التطوير والتسويق المرتفعة بطبيعتها.

3.نمو الشركة المستقبلي
إذا كانت الشركة تشهد معدلات نمو مرتفعة، فمن المهم عند تقييمها النظر إلى مستقبل النمو، إذ غالبا ما تشهد معدلات النمو المرتفعة الأولية ذات الطبيعة المتذبذبة استقرارا واعتدالا بمرور السنوات، وقد تصل الشركات الناشئة إلى هذه المعدلات المستقرة للنمو خلال 10 إلى 15 سنة في المستقبل وهو الأجل الذي ينبغي وضعه في الاعتبار عند التقييم.

4.حجم العملاء

يؤدي امتلاك الشركة عددا كبيرا من العملاء إلى ارتفاع فرص جذبها للمستثمرين، ويتم تقييم حجم العملاء وفقا لعدة عوامل مثل: مصادر حصول الشركة على العملاء، ومتوسط عمر العميل، ومعدل تكرار الشراء، ومعدل فقدان العملاء الحاليين، والقائمة البريدية التي تمتلكها الشركة لمواصلة جذب العملاء، والبيانات التي تجمعها عن العملاء عبر ملفات تعريف الارتباط، بالإضافة إلى متوسط إيرادات العميل الواحد (LTV)، وتكلفة التسويق والمبيعات للحصول على العميل (CAC)، ويتم قسمة متوسط الإيرادات على تكلفة الحصول لتحديد إلى أي مدى تجني الشركة إيرادات من كل عميل أكثر مما تنفق للحصول عليه.
    
5.عدد زيارات موقع الويب
ترتبط قيمة الشركات التي تعتمد على موقع ويب لممارسة أنشطتها التجارية بعدد الزيارات التي يستقطبها الموقع، والكلمات المفتاحية التي يستخدمها الزوار للعثور عليه ثم حساب سعر النقرة لهذه الكلمات، بالإضافة إلى مزيج الكلمات المفتاحية الطويلة والقصيرة، واتجاهات عدد الزيارات خلال العام الأخير والأشهر القليلة الماضية، والنسبة المئوية للزيارات التي تأتي من محركات البحث والتي قد تكون معرضة للخطر في حال تغير خوارزميات البحث، كذلك مصدر الإحالات وهل هو مصدر مستدام أم لا، فضلا عن مدى تأثر الموقع بتغييرات سابقة في الخوارزميات أو تعرضه لعقوبات يدوية من محركات البحث.

6.الجهد والوقت المطلوبان للإدارة

امتلاك الشركة لفريق عمل قوي وهيكل إداري يتم تفويض فيه الصلاحيات بسهولة إلى المستويات الإدارية الأدني يجعل الشركة أكثر جذبا للمستثمرين وبالتالي يرفع من تقييمها، وعلى النقيض، الشركات التي تتطلب إدارتها تحميل مسئوليات كثيرة للمستثمر وتحتاج إلى بذل وقت وجهد كبيرين وامتلاك معرفة تقنية متخصصة تضطره إلى توظيف أشخاصا أخرين للقيام بالعمل نفسه، يؤدي في النهاية إلى خفض تقييم الشركة وتقليل عدد المستثمرين المقبلين على الاستثمار.

7.مجال التخصص (Niche)

يؤثر مجال تخصص (Niche) الشركة على تقييمها ويتوقف على عوامل مختلفة مثل مدى التنافسية على هذا المجال واتجاهاته الرائجة (Trends) ودرجة نموه وخيارات التوسع المتاحة والتي تعد ميزة في تقييم شركات SaaS فكلما ازداد توسع الشركة ارتفع عدد العملاء الجدد بتكلفة منخفضة أو صفرية.

8.دورة حياة المنتج

تحتاج جميع المنتجات البرمجية إلى تطوير لمواكبة احتياجات العملاء والمنافسة، ويساهم مرور المنتج بتطوير حديث لا يتطلب تطويرا إضافيا قبل مرور فترة من الزمن في رفع تقييم الشركة أثناء هذا الوقت، إذ يمنح المستثمر مهلة من الزمن قبل أن يضطر إلى إجراء تطوير رئيسي ويقلل حاجة المنتج إلى العناية والاهتمام لفترة من الوقت. 
 
في النهاية بعد عرض العوامل الرئيسية التي تساهم في تقييم الشركات التي تعمل عن بعد، تجدر الإشارة إلى القاعدة الاستثمارية المعروفة وهي أن زيادة المنافسة على الاستثمار في شركة ما يؤدي بشكل مباشر إلى رفع تقييمها بالتبعية.

وصف التدوينة

يحمل الاستثمار في شركة تعمل عن بعد فرصا حقيقية للنجاح والنمو، ولكن تبقى مسألة كيفية تقييم شركة تعمل عن بعد تثير بعض علامات الاستفهام، وهي ما سنطرحها للنقاش في المقال بالتفصيل.

خاص_الفابيتا