صدر قبيل أيام معدودة تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" لصندوق النقد الدولي وهو أشهر تقرير دوري عن أوضاع الاقتصاد العالمي. وسيصدر قريبا جدا، ربما يوم نشر هذا المقال تقرير الصندوق عن منطقتنا "الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان".
الصورة العامة للاقتصاد العالمي
توقع أوضاع لا تختلف بقوة عن الأوضاع التي نراها الآن. حالة تباطؤ في النمو الاقتصادي. ونشاط الصناعات التحويلية في ضعف. ومتوقع استمرار الحواجز والتوترات التجارية والجغرافية ذات الطابع السياسي بما أثر ويؤثر سلبا في حركة الاستثمار والتجارة العالمية. وزادت الطين بلة عوامل ذات طبيعة هيكلية مثل انخفاض الإنتاجية وشيخوخة سكان ما يسمى الدول المتقدمة. لكن تيسير السياسة النقدية خفف بعض الشيء من تأثير تلك التوترات في الاقتصاد العالمي، خاصة في أسواقه المالية. وقامت السياسة النقدية بدور كبير في دعم النمو في اقتصادات كبيرة، ساعد على نجاحها ضعف الضغوط التضخمية.
الصورة العامة للاقتصاد الوطني
محليا الأمور تدعو إلى التفاؤل، النمو متباطئ هذا العام مقارنة بالعام الماضي. لكن من المتوقع أن ينعكس المسار العام المقبل، حيث يتوقع أن يتحسن النمو الاقتصادي في بلادنا العام المقبل بحمد الله. يدعم هذه التوقعات الإنجاز النوعي الذي حققته بلادنا في تقرير ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي هذا الشهر. والعلم الأكيد عند رب العالمين. ومعلوم أن بلادنا تشهد إصلاحات اقتصادية قوية. والنمو المتوقع طبعا دون طموحاتنا. وما زالت أبواب الإصلاح والتطوير قائمة. لكن من المهم أن يعلم أن آثارها تظهر بصورة أكثر وضوحا مع مرور الوقت. لكن الأغلبية العظمى من الناس يتعجلون بطبعهم النتائج. قال سبحانه "خلق الإنسان من عجل".
مزيد تفصيل
متوقع أن يسجل النمو العالمي هذا العام 2019 معدلا في حدود 3 في المائة. وهو أدنى معدل خلال الأعوام العشرة الماضية. أما في العام المقبل 2020، فمتوقع أن يتحسن المعدل تحسنا بسيطا، ليصل معدل النمو إلى حدود 3.4 في المائة. وهذا التحسن ليس موزعا على العالم، بل يتركز في عدد من الاقتصادات الصاعدة، منها بلادنا. وعلى العكس، من المتوقع أن يسجل النمو في أكبر الاقتصادات العالمية أمريكا ومنطقة اليورو والصين واليابان في الأعوام الثلاثة المقبلة نموا أضعف من النمو المسجل في كل عام من الأعوام 2017 و2018 و2019. واقتصادات تلك الدول تشكل أكثر من نصف الاقتصاد العالمي.
تشهد صناعة السيارات انكماشا. وهناك عدة عوامل وراء هذا الانكماش، مثل زيادة وتقوية معايير الحد من انبعاثات السيارات في عديد من الدول. أما قطاعات الخدمات فتشهد تماسكا نسبيا في معظم أنحاء العالم. وساعد هذا التماسك على إبعاد أسواق العمل والأجور وإنفاق المستهلكين في الاقتصادات المتقدمة إبعادها عن التأثر من ضعف نمو الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، هناك بعض الإشارات المبدئية إلى تراجع بسيط في قطاعات الخدمات الأوروبية والأمريكية.
ما المطلوب لتحفيز النمو؟
يرى الصندوق أن إنعاش نمو الاقتصاد العالمي يتطلب من أصحاب السلطة وصناع السياسات تخفيف الحواجز التجارية، وكبح التوترات الجغرافية السياسية وتخفيف أجواء عدم اليقين المحيطة بالسياسات الداخلية. ومن شأن هذه الإجراءات إعطاء دفعة كبيرة للثقة، وتنشيط الاستثمار والصناعة التحويلية والتجارة. وفي هذا الصدد يتطلع العالم إلى مزيد تفاصيل عن الاتفاق المؤقت الذي توصلت إليه الصين والولايات المتحدة أخيرا. ويرحب الصندوق بأي عمل يهدئ التوترات ويخفف من الحواجز التجارية بين الدول.
كما ينبغي التوازن في تبني السياسات الاقتصادية. وهذا يعني ألا ينظر إلى السياسة النقدية على أنها المجال الوحيد للحل. ويرى الصندوق أن على المالية العامة التوسع، حينما يكون الحيز المالي لها متاحا. فمثلا ينبغي الاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة على القروض الاستثمارية، لدعم الإنفاق الرأسمالي على البنية التحتية. كما ينبغي لمن بيدهم صنع السياسات منع التراكم المتزايد لمواطن الضعف المالي. كما ينبغي لهم عمل ما يمكن من إصلاحات بنيوية لزيادة الإنتاجية.
تحدث تقرير الصندوق عما يواجه العالم من تحديات مثل تغير المناخ ومخاطر الأمن الإلكتروني والتحايل الضريبي، وتحديات التطور التقني المالي. وفي هذا ينبغي للدول زيادة جهود التعاون بينها لمواجهة هذه التحديات.