مثلت هجمات إيران على منشآت أرامكو عبر وكلائها السبت الماضي تهديدا صريحا لإمدادات العالم من الطاقة الذي يمثل النفط أحد عناصرها الرئيسية. وسكوت المجتمع الدولي المتكرر على مثل هذه الهجمات، في السابق، شجع إيران على الاستمرار في هذا الإرهاب الخبيث، وكأنَّ الساحة الدولية لها وحدها، تعبث بأمنها كيفَما تشاء، تارة تستهدف ناقلات النفط عبر مضيق هرمز وباب المندب، وتستهدف تارة أخرى معامل أكبر شركة نفط وطنية في العالم، أرامكو السعودية.
والهجمات الأخيرة على معامل الشركة في بقيق وهجرة خريص تُعـدُّ الأكبر والأكثر همجية، وتعكس إصرار إيران على الاستمرار في استفزاز المجتمع الدولي من جهة، ومن جهة أخرى تُعدُّ تلك الهجمات بمثابة إعلان حرب على المجتمع الدولي واقتصاده. وجميعنا لاحظ ألسنة اللهب وهي تطال المناطق المستهدفة، ممَّا دفع أرامكو إلى إيقاف عملياتها الإنتاجية في المنطقتين بصورة مؤقتة.
وجاءت الاستجابة الفورية لأسواق النفط يوم أمس (الإثنين)، تَخوُّفًا ساد الأسواق، وهو تخوف أكثر شجاعة من ردود الفعل السياسية العالمية، اذ ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير وما زالت وستستمر طالما استمر توقف إنتاج أرامكو من معامل بقيق وحقل خريص؛ إذْ يعرف جميع المتعاملين بسوق النفط العالمية أنَّ السعودية ليست كأيٍّ من منتجي النفط في العالم؛ بل هي محور إنتاج وتصدير هذه السلعة الإستراتيجية عبر عقود مضت وأخرى قادمة. وهي أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، بِما لا يقلُّ عن سبعة ملايين برميل يوميًّا ــ في ظل إنتاج يصل مجموعه إلى حدود عشرة ملايين برميل يوميا ــ وطاقة إنتاجية فائضة تفوق مليوني برميل يوميًا، إلى جانب إنتاجها من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات البترولية الأخرى.
هذه القدرات الإنتاجية الضخمة مكنت المملكة من أن تؤدي دورا قياديا في الأسواق، وتعمل على تحقيق استقرارها، وهو ما يشهد به العالم أجمع، من خلال تعامله مع المملكة عبر العقود الماضية. وجميع شهادات الدول المستهلكة للنفط عبر هذه الفترات وعبر التصريحات الرسمية، أو البيانات المشتركة، تركز على أن «السعودية مَصْدرٌ آمن وموثوق به ويمكن الاعتماد عليه».
وإذا ما اهتز أحد تلك العناصر الثلاثة، وهو أن السعودية «مصدر آمن»، فإن ردةَ فعل ذلك هي تسيُّدُ الاضطراباتِ لسوق النفط العالمية، وسيادة التخوف من انقطاع الإمدادات النفطية للعالم، وما ينشأ عن ذلك من تأثيرات على استمرار نمو الاقتصاد العالمي. ولذا فإن تهاون المجتمع الدولي تجاه ما تُحدثه إيران من تخريب في المنطقة بشكل عام، وما تتعرض له المنشآت النفطية بشكل خاص، يعني تهاونا بأمن الطاقة العالمية، وتهاونا بالأمن الاقتصادي العالمي، وقد يؤدي ذلك إلى أنْ يُفلت زمام الأمور؛ فيغرقَ العالم في سبات عميق.
والأرقام التي أصدرها وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان مؤخرا، عمَّا نتجَ عن ذلك الاعتداء من إيقاف لمعامل الإنتاج في المنطقتين، مُفزعة؛ فقد توقَّفَ مؤقتا إنتاج مالا يقلُّ عن (5.7) مليون برميل، ــ وذلك الكم يمثِّل نحو (50%) من إنتاج أرامكو، وينضمُّ إليه توقُّفُ إنتاج الغاز المصاحب لإنتاج الكمية المذكورة.
وإذا أضفنا إلى كل ذلك ما صدر عن سابك والشركات البتروكيميائية السعودية الأخرى، من نقص في إمدادات اللقيم من الغاز أو النفط الخام، ــبما يمثل ما بين (30%-49%)ــ عكسَ المجموع تتابع وتراكم الأضرار جرَّاءَ الهجوم الإرهابي، لتتجاوز آثاره الإمدادات النفطية وتصلَ إلى الإنتاج السعودي من البتروكيماويات، وإنْ كان كل ذلك بصورة مؤقتة.
وكجزء من الاستنفار العالمي لمواجهة أزمة محتملة في الإمدادات النفطية، أبدت السعودية استعدادها لاستخدام احتياطياتها الإستراتيجية من النفط والتي تحتفظ بها سواء داخل المملكة أو كمخزون عائم. إذ تبلغ هذه الاحتياطيات 188 مليون برميل وهي كافية لتغطية الإنتاج المتوقف لشهر أو أكثر بقليل، يضاف إلى ذلك أن وكالة الطاقة الدولية قد نبهت دولها الأعضاء إلى احتمال استخدامهم للاحتياطيات الإستراتيجية لديهم. كما بادرت وزارة الطاقة الأمريكية إلى إعلان إمكانية استخدام أجزاء من مخزونها الإستراتيجي النفطي لمواجهة أي نقص في الإمدادات بالتنسيق مع وكالة الطاقة الدولية.
والمملكة العربية السعودية ــ وكما قال ولي العهد ــ ستدافع عن نفسها، ومع ذلك، فإنَّ الأمرَ يُعدُّ مسؤولية دولية في المقام الأول. ولا بد أن تبرهن الدول المستهلكة للنفط بصورة فعليَّة ــ لا أنْ تكتفي بالأقوال شجبا واستنكارا ــ على أنها مستعدة للدفاع عن مصادر الطاقة التي يعتمد عليها نموُّها الاقتصادي، ولا بدّ لها أيضًا من أنْ تُبرهن في المرحلة الراهنة على واقعية زعمها ــ بصورة مستميتة ــ بدفعها لكلِّ ما يمس «أمن الطاقة العالمي»، كما أنَّها مطالبة بإيقاف إيران عند حدها؛ فهي نظام يعتقد أنَّ بإمكانه فعلَ ما يشاء في منطقة الخليج، وأنه لا روح ولا قدرة للمجتمع الدولي أنْ يتدخل لردعه.
استمرار التراخي الدولي تجاه إرهاب إيران يشجعها على الاستمرار في هجماتها العدائية، فيدفع المنطقة إلى الحروب، وأسواق النفط العالمية إلى الاشتعال، وما يتبع كل ذلك من نتائج وآثار سلبية على الاقتصاد العالمي الذي يعاني أصلا من بدايات الركود، نتيجة لعوامل أخرى تراكمت عبر الفترة الماضية.
وختاما، لا أجدُ إلَّا أنْ أقول حمى الله الوطن الغالي من شرور إيران وأعوانها وأذرعها. ثُمَّ علينا الاستعداد بكامل ما أوتينا من قوة رادعة لإيقاف تهورها ومطامعها في المنطقة، وهو الأمر الذي ظلَّتِ المملكة تحذَّر منه لفترات طويلة. وستكشف الأحداث للمملكة، من خلال المواقف العملية، من يقف معها ومن يحاربها أو ينصاع لأوامر إيرانية تصدر إليه لتنفيذها بالنيابة عنها.
ما حك جسمك مثل ظفرك . ان لم نستعد لمواجهة ايران او غيرها فلا نلوم الا انفسنا . كل يدور على مصلحته . يجب ان لا نكتفي بشراء الاسلحه من دول ترى انه يجب ان تتدخل في شؤون البلد لكي تديره على هواها لكي تسمح لنا بالشراء منها . آن الاوان ان نصنع سلاحنا بانفسنا ولا نركن الا الاعتماد على بلد آخر في حماية البلد