لدي ملحوظتان كبيرتان على نظام الشركات.
الأولى حول العلاقة بين حصة العمل والملكية. والأخرى حول الربط بين أشكال الشركات في الفقه وتلك الواردة في النظام.
الملحوظة الأولى:
يسمح نظام الشركات بأن يسهم شريك بحصة عمل. وهذا نص المادة الثانية من نظام الشركات "الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل أو منهما معا لاقتسام ما ينشأ من هذا المشروع من ربح أو خسارة.
هنا مشكلة. ماذا بشأن اقتسام ملكية المشروع؟ إذا قيل إن الملكية محصورة برأس المال أو المساهمة المالية من نقد وعين، فما تأثير ذلك في المصلحة العامة؟ وتفصيلا ما التأثير في تطور وتنمية الاقتصاد في تحفيز شباب الأعمال المتميزين بعقولهم في الإبداع والاختراع؟ في استغلال العقول والأفكار أفضل استغلال؟ في توظيف موارد الاقتصاد؟ في توزيع الدخل؟ وغير ذلك.
نقاط لا يبدو أنها تجد اعتبارا عند من وضع النظام من القانونيين. ولا غرابة فهي خارج طبيعة تخصصهم. وهذه مشكلة في منهجية وضع الأنظمة، وتنويع تخصصات مستشاري هيئة الخبراء يساعد على تقليصها.
يشهد العالم تطورا تقنيا غير مسبوق. ونمت شركات تقنية نموا هائلا ما كان في الحسبان، وأسهم في تحقق هذا النمو العمل المبدع. شركات بدأت برأسمال بسيط لكن جاءت قوتها بمشاركة أصحاب عقول، يعرفون أن مشاركتهم بحصة من عمل لها حصة في الملكية. وكان لجهود وإبداعات هذه العقول المبدعة أثر كبير في ارتفاع قيمة هذه الشركات عشرات أو حتى مئات المرات في أعوام، وليس في عقود كثيرة من الزمن.
"رؤية 2030" تستهدف بناء اقتصاد متطور يقوم على عقول وطنية مبدعة. لكن نظام الشركات بالصورة التي شرحتها سابقا قد لا يكون بالكفاءة المطلوبة. والحل إعادة بناء النظام بما يتيح لأصحاب حصص عمل التملك، ويحقق تبعا المصلحة العامة للمجتمع والاقتصاد. وطبعا يتطلب ذلك ضوابط وتنظيمات تحقق الهدف دون إضرار بحقوق الآخرين.
الملحوظة الأخرى:
على فقد الربط بين الشركات في كتب الفقه وتلك الواردة في النظام.
نصت المادة الرابعة من نظام الشركات على الآتي "لا تنطبق أحكام النظام على الشركات المعروفة في الفقه الإسلامي، وذلك ما لم تتخذ شكل شركة من الشركات الواردة في الفقرة (1) من هذه المادة".
ومن هنا تثار أسئلة:
ما الشركات في الفقه التي لا يمكن أن تتخذ شكل شركة من الشركات الواردة في النظام؟ هل عليها خلافات فقهية؟ هل من مشكلات في تطبيقها عمليا؟
أما في حال الشركات التي يمكن أن تتخذ شكل شركة من شركات النظام، فإننا أمام مسائل تغير مسميات وتغير وتطور تفاصيل مع مرور الزمن وتغير الأحوال.
وبصورة عامة: لو رغب شركاء في تأسيس شركة من الشركات المعروفة من قديم في كتب الفقه، فكيف تنفذ هذه الرغبة ضمن نصوص نظامية؟ لدينا من هو علامة في شركات الفقه وليست الشركات المنصوص عليها في النظام. ولدينا العكس من هو علامة في الثانية دون الأولى. هذه ازدواجية ثنائية تنبغي إزالتها.
طالما أننا نؤمن عن يقين بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فمن المفترض بناء أسس تتيح جمع ما هو قائم أو يتطور مستقبلا في بنية واحدة، بدلا من الثنائية، طبعا بناء أسس لا تخل بضوابط الشرع. وهذا ما فعله علماء الأمة في القرون الأولى بما يناسب عصورهم. ذلك أن الحديث عن الشركات في كتب الفقه خاصة القديمة تناول ممارسات كانت أصلا موجودة. مثلها مثل عمليات البيع والشراء والتأجير والتوكيل وواجبات وحقوق العاملين وغيرها، السائدة بين الناس في كل زمان ومكان. وكان دور الشريعة وضع ضوابط للالتزام بها. أما التفاصيل فموضع اجتهادات وخلافات وتقبل التغير مع تغير الزمان. وكثير مما قيل في كتب الفقه اجتهاد وقتي، يتأثر بظروف زمانه ومكانه، أي أنه غير ملزم بحرفيته لكل زمان ومكان. لكن السطحية في قراءة النصوص، والجمود الفقهي والدنيوي في بلاد المسلمين عبر قرون كان لهما تأثير.
تتطلب إعادة بناء بعض مواد نظام الشركات تعاونا وثيقا جادا بين أهل الاختصاص من علماء فقه وقانون تجاري واقتصاد كلي وأعمال وإدارة وريادة أعمال، وربما أيضا أصحاب تخصصات أخرى لا تحضرني الآن. كما ينبغي أخذ مرئيات رجال ورواد أعمال، خاصة تلك التي تعتمد على الإبداع في العمل أكثر من غيرها. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع