خلصت ورقة عمل بالغة الأهمية، قامت مؤسسة النقد العربي السعودي بنشرها على موقعها الرسمي بنهاية 2018، تحت عنوان "أثر الاستهلاك الخاص على المتغيرات الاقتصادية الكلية"، إلى ثلاث توصيات رئيسة: (أولا)، المحافظة على السلوك الاستهلاكي مع توجيهه، ورفع مستوى المحتوى المحلي من السلع والخدمات، وبالتالي زيادة مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص في التنمية الاقتصادية وتقليص التدفقات المالية للخارج عن طريق الواردات. (ثانيا)، استفادة من تجارب بعض الدول في اتباعها سياسة تحفيز الاستهلاك الخاص وتوجيه هذا الاستهلاك نحو السلع والخدمات المحلية. (ثالثا)، يعد الاستهلاك الخاص مساهما حقيقيا في عوامل النمو في الاقتصاد السعودي، وتأثيره في معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي.
استهدفت ورقة العمل تلك؛ بحث العلاقة بين الاستهلاك الخاص وبعض المتغيرات الاقتصادية الكلية خلال الفترة 1980ــ2017، وتبين أن وجود علاقة موجبة ومعنوية إحصائيا بين الإنفاق الاستهلاكي الخاص من جهة، ومن جهة أخرى بين كل من: "الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص، معدلات التوظيف، الإيرادات الحكومية غير النفطية، ومستويات الأسعار (التضخم)".
وأن الإنفاق الاستهلاكي الخاص لعب دور المحرك الرئيس لمعدلات النمو الاقتصادي والتوظيف ومعدلات الأسعار والإيرادات الحكومية غير النفطية خلال فترة الدراسة.
يأتي الاهتمام بهذا المكون الرئيس والمحوري في الاقتصاد الوطني، ممثلا في الإنفاق الاستهلاكي الخاص، تزامنا مع التحولات والتطورات الراهنة القائمة على مستوى كافة المتغيرات الاقتصادية، ولدوره المهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي من جانب، ولأهميته في المحافظة على النمو الاقتصادي بشكل عام، ونمو القطاع الخاص على وجه الخصوص، كونه القطاع الذي تتوجه إليه تطلعات "رؤية المملكة 2030" لرفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 40 في المائة إلى 65 في المائة بحلول 2030، ما يؤهله على أرض الواقع ليكون الموظف الأكبر للموارد البشرية الوطنية، والمساهمة من ثم في تخفيض معدل البطالة، مضافا إليه زيادة مساهمته في الدفع بمعدلات نمو الاقتصاد الوطني، من خلال ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وضخ مزيد من الاستثمارات في الفرص الواعدة محليا، وذلك أحد أهم وأبرز المشاريع طويلة الأجل التي تعكف البرامج التنفيذية لـ"رؤية المملكة 2030" على تحقيقها وترجمتها على أرض الواقع.
تؤكد ورقة العمل الأهمية التي يحظى بها الإنفاق الاستهلاكي الخاص، حيث إنه في الوقت الذي قد تتأثر سلبا بقية محركات النمو المحلي "تراجع النفط، انخفاض الإنفاق الحكومي"، تجد أن مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص في النمو تتعاظم في الاتجاه الإيجابي المعزز للنمو والمحافظة عليه، علما أن مساهمته في النمو ترتفع بنسبة أكبر في حال شهدت بقية محركات النمو تحسنا في أوضاعها، بل تتفوق مساهمته في النمو الاقتصادي مقارنة بمساهمات بقية تلك المحركات، ففي عام 2017 الذي شهد تراجعا بلغت نسبته - 0.9 في المائة، نتيجة تراجع القطاع النفطي خلال العام نفسه بنسبة 3.1 في المائة، أظهر الإنفاق الاستهلاكي الخاص مساهمة أفضل وصلت إلى 1.1 في المائة في نمو الناتج المحلي الإجمالي. كما أظهر الإنفاق الاستهلاكي الخاص مساهمة أكبر وصلت إلى 3.5 في المائة في النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي عام 2012 الذي بلغ 5.4 في المائة، مقارنة بمساهمة كل من الإنفاق الاستهلاكي النهائي الحكومي وإجمالي تكوين رأس المال الثابت، لم تتجاوز 1.7 في المائة ونحو 1.3 في المائة على التوالي.
وترتفع الأهمية القصوى لكل ما تقدم ذكره، بحال تم ربط الدور الذي يضطلع به الإنفاق الاستهلاكي الخاص مع نمو القطاع الخاص، خاصة إذا ما تمت مراجعة التراجع الذي طرأ على مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الثلاث الأخيرة 2016ــ2018، التي أظهرت تراجعها من 42.8 في المائة إلى 38.5 في المائة، شهد خلالها الإنفاق الاستهلاكي الخاص تباطؤا في معدلات نموه السنوية خلال الفترة نفسها بمتوسط 4.2 في المائة، مقارنة بمتوسط نمو سنوي بلغ 9.0 في المائة خلال الفترة 2010ــ2015.
وبالعودة تذكيرا إلى التوصيات الثلاث الرئيسة المشار إليها أعلاه في مقدمة المقال، وتحديدا التوصية الثالثة "يعد الاستهلاك الخاص مساهما حقيقيا في عوامل النمو في الاقتصاد السعودي، وتأثيره في معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي"، وأمام وتيرة تباطؤ مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص في الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة؛ يجب التأكيد هنا على حماية هذا العامل الرئيس في الاقتصاد الوطني، من خلال العمل المشترك والمتكامل من قبل الأجهزة الحكومية كافة، وتوجيهها مجددا نحو استعادة وتيرة النمو والتحسن، الذي يقتضي في إحدى أهم ركائزه العمل المستمر والدؤوب على عدة مستويات مهمة جدا، من أهمها: (أولا) سرعة العمل على توطين فرص العمل المحلية المجدية من حيث الدخل والإنتاجية، وهو ما يعد بعيدا جدا عن برامج التوطين الراهنة التي تستهدف الكم على حساب الكيف، الذي بتحققه سنشهد تحسنا كبيرا في مستويات دخل المواطنين والمواطنات على حد سواء، سيزيد من قدرة الإنفاق الاستهلاكي الخاص للأفراد على السلع والمنتجات والخدمات محليا، وفي الوقت ذاته سيقلص من تسرب الأموال إلى خارج الحدود.
(ثانيا)، المبادرة بالعمل على تقليص نسب استقطاع القروض طويلة الأجل من دخل الأفراد، وتحديدا القروض العقارية التي تراوح نسب استقطاعها من الدخل الشهري للمقترض بين 50 في المائة و65 في المائة. ففي الوقت الذي وصلت فيه أعداد المقترضين عقاريا حتى نهاية نيسان (أبريل) الماضي إلى أعلى من 264 ألف مقترض، يتوقع أن ترتفع تلك الأعداد إلى أعلى من 1.4 مليون فرد مقترض بنهاية 2022، وأن تمتد فترات الاستقطاع لسداد تلك القروض طويلة الأجل إلى ما بين 15 سنة و20 سنة. لهذا سيكون مهما جدا أن يتم العمل المتكامل بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة على خفض نسب الاستقطاع بما لا يتجاوز 35 في المائة إلى 40 في المائة في أصعب الأحوال، وهو ما يتطلب في الوقت ذاته تحركا أسرع على مستوى العمل على خفض الأسعار المتضخمة للمساكن والأراضي، بما يسهم في تسهيل قدرة التملك للمواطن من جانب، وبما يخفض حجم التمويل العقاري اللازم لتملك المساكن، والمساهمة بصورة أكبر في خفض المخاطر على القطاع التمويلي، وفي خفض فاتورة الدعم الحكومي لتلك القروض العقارية، إذ من المتوقع في ظل ثبات الأوضاع الراهنة أن تصل الفاتورة السنوية للدعم اللازم لتلك القروض إلى نحو 84 مليار ريال سنويا في منظور الأعوام العشرة المقبلة، وهو ما سيترك أعباء مالية عالية جدا على الجميع دون استثناء. وللحديث بقية. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
استهدفت ورقة العمل تلك؛ بحث العلاقة بين الاستهلاك الخاص وبعض المتغيرات الاقتصادية الكلية خلال الفترة 1980ــ2017، وتبين أن وجود علاقة موجبة ومعنوية إحصائيا بين الإنفاق الاستهلاكي الخاص من جهة، ومن جهة أخرى بين كل من: "الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص، معدلات التوظيف، الإيرادات الحكومية غير النفطية، ومستويات الأسعار (التضخم)".
وأن الإنفاق الاستهلاكي الخاص لعب دور المحرك الرئيس لمعدلات النمو الاقتصادي والتوظيف ومعدلات الأسعار والإيرادات الحكومية غير النفطية خلال فترة الدراسة.
يأتي الاهتمام بهذا المكون الرئيس والمحوري في الاقتصاد الوطني، ممثلا في الإنفاق الاستهلاكي الخاص، تزامنا مع التحولات والتطورات الراهنة القائمة على مستوى كافة المتغيرات الاقتصادية، ولدوره المهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي من جانب، ولأهميته في المحافظة على النمو الاقتصادي بشكل عام، ونمو القطاع الخاص على وجه الخصوص، كونه القطاع الذي تتوجه إليه تطلعات "رؤية المملكة 2030" لرفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 40 في المائة إلى 65 في المائة بحلول 2030، ما يؤهله على أرض الواقع ليكون الموظف الأكبر للموارد البشرية الوطنية، والمساهمة من ثم في تخفيض معدل البطالة، مضافا إليه زيادة مساهمته في الدفع بمعدلات نمو الاقتصاد الوطني، من خلال ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وضخ مزيد من الاستثمارات في الفرص الواعدة محليا، وذلك أحد أهم وأبرز المشاريع طويلة الأجل التي تعكف البرامج التنفيذية لـ"رؤية المملكة 2030" على تحقيقها وترجمتها على أرض الواقع.
تؤكد ورقة العمل الأهمية التي يحظى بها الإنفاق الاستهلاكي الخاص، حيث إنه في الوقت الذي قد تتأثر سلبا بقية محركات النمو المحلي "تراجع النفط، انخفاض الإنفاق الحكومي"، تجد أن مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص في النمو تتعاظم في الاتجاه الإيجابي المعزز للنمو والمحافظة عليه، علما أن مساهمته في النمو ترتفع بنسبة أكبر في حال شهدت بقية محركات النمو تحسنا في أوضاعها، بل تتفوق مساهمته في النمو الاقتصادي مقارنة بمساهمات بقية تلك المحركات، ففي عام 2017 الذي شهد تراجعا بلغت نسبته - 0.9 في المائة، نتيجة تراجع القطاع النفطي خلال العام نفسه بنسبة 3.1 في المائة، أظهر الإنفاق الاستهلاكي الخاص مساهمة أفضل وصلت إلى 1.1 في المائة في نمو الناتج المحلي الإجمالي. كما أظهر الإنفاق الاستهلاكي الخاص مساهمة أكبر وصلت إلى 3.5 في المائة في النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي عام 2012 الذي بلغ 5.4 في المائة، مقارنة بمساهمة كل من الإنفاق الاستهلاكي النهائي الحكومي وإجمالي تكوين رأس المال الثابت، لم تتجاوز 1.7 في المائة ونحو 1.3 في المائة على التوالي.
وترتفع الأهمية القصوى لكل ما تقدم ذكره، بحال تم ربط الدور الذي يضطلع به الإنفاق الاستهلاكي الخاص مع نمو القطاع الخاص، خاصة إذا ما تمت مراجعة التراجع الذي طرأ على مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الثلاث الأخيرة 2016ــ2018، التي أظهرت تراجعها من 42.8 في المائة إلى 38.5 في المائة، شهد خلالها الإنفاق الاستهلاكي الخاص تباطؤا في معدلات نموه السنوية خلال الفترة نفسها بمتوسط 4.2 في المائة، مقارنة بمتوسط نمو سنوي بلغ 9.0 في المائة خلال الفترة 2010ــ2015.
وبالعودة تذكيرا إلى التوصيات الثلاث الرئيسة المشار إليها أعلاه في مقدمة المقال، وتحديدا التوصية الثالثة "يعد الاستهلاك الخاص مساهما حقيقيا في عوامل النمو في الاقتصاد السعودي، وتأثيره في معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي"، وأمام وتيرة تباطؤ مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص في الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة؛ يجب التأكيد هنا على حماية هذا العامل الرئيس في الاقتصاد الوطني، من خلال العمل المشترك والمتكامل من قبل الأجهزة الحكومية كافة، وتوجيهها مجددا نحو استعادة وتيرة النمو والتحسن، الذي يقتضي في إحدى أهم ركائزه العمل المستمر والدؤوب على عدة مستويات مهمة جدا، من أهمها: (أولا) سرعة العمل على توطين فرص العمل المحلية المجدية من حيث الدخل والإنتاجية، وهو ما يعد بعيدا جدا عن برامج التوطين الراهنة التي تستهدف الكم على حساب الكيف، الذي بتحققه سنشهد تحسنا كبيرا في مستويات دخل المواطنين والمواطنات على حد سواء، سيزيد من قدرة الإنفاق الاستهلاكي الخاص للأفراد على السلع والمنتجات والخدمات محليا، وفي الوقت ذاته سيقلص من تسرب الأموال إلى خارج الحدود.
(ثانيا)، المبادرة بالعمل على تقليص نسب استقطاع القروض طويلة الأجل من دخل الأفراد، وتحديدا القروض العقارية التي تراوح نسب استقطاعها من الدخل الشهري للمقترض بين 50 في المائة و65 في المائة. ففي الوقت الذي وصلت فيه أعداد المقترضين عقاريا حتى نهاية نيسان (أبريل) الماضي إلى أعلى من 264 ألف مقترض، يتوقع أن ترتفع تلك الأعداد إلى أعلى من 1.4 مليون فرد مقترض بنهاية 2022، وأن تمتد فترات الاستقطاع لسداد تلك القروض طويلة الأجل إلى ما بين 15 سنة و20 سنة. لهذا سيكون مهما جدا أن يتم العمل المتكامل بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة على خفض نسب الاستقطاع بما لا يتجاوز 35 في المائة إلى 40 في المائة في أصعب الأحوال، وهو ما يتطلب في الوقت ذاته تحركا أسرع على مستوى العمل على خفض الأسعار المتضخمة للمساكن والأراضي، بما يسهم في تسهيل قدرة التملك للمواطن من جانب، وبما يخفض حجم التمويل العقاري اللازم لتملك المساكن، والمساهمة بصورة أكبر في خفض المخاطر على القطاع التمويلي، وفي خفض فاتورة الدعم الحكومي لتلك القروض العقارية، إذ من المتوقع في ظل ثبات الأوضاع الراهنة أن تصل الفاتورة السنوية للدعم اللازم لتلك القروض إلى نحو 84 مليار ريال سنويا في منظور الأعوام العشرة المقبلة، وهو ما سيترك أعباء مالية عالية جدا على الجميع دون استثناء. وللحديث بقية. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية