كل تكلفة محاسبية هي تكلفة اقتصادية، وليس العكس.
ثمة اختلافات مهمة بين الطريقتين المحاسبية والاقتصادية التي يتعامل بها علماء الاقتصاد في قياس التكاليف. وفي هذا المقال أتحدث عن نقطتي اختلاف. الأولى في طريقة قياس استهلاك الأصول. والأخرى في التكاليف الضمنية ومنها الفرص الضائعة.
لابد من احتساب قيمة تعبر عن تكلفة نتيجة استخدام واستهلاك الأصول التي تملكها المنشأة التي تقوم أعمالها على قياس تكاليف التشغيل. ذلك أن ما تملكه المنشأة من آلات ومبان تستهلك مع الوقت. ولابد من مراعاة ذلك في بيان الربح والخسارة في القوائم المالية. ويتم ذلك عبر أولا: قياس تكلفة الأصول. ومن تكلفة الأصول يجري اشتقاق أو قياس الاستهلاك الدوري، بناء على أعراف ومعايير محاسبية. السؤال التالي عن طريقة تقييم هذه الأصول. الاعتماد محاسبيا عادة على القيمة التاريخية. وهذه نقطة خلاف مع الاقتصاديين.
ذلك أن القيمة التاريخية تتغير، خاصة في الأصول العقارية أو ذات الطبيعة النادرة. وهناك توجه محاسبي لتفهم أقوى لموضوع التغير التاريخي في قيمة الأصول. وتبعا في قياس استهلاكها.
تظهر المشكلة أقوى في أصول المنشآت من الأراضي. ذلك أن الأرض لا تستهلك. بل يجري عادة العكس، حيث يزيد ثمنها مع الوقت. وهناك أصول أخرى ليست عرضة للاستهلاك، كالآثار وما يلحق بها، بل يحدث أحيانا العكس بأن ترتفع قيمتها مع الوقت. هناك رسومات يدوية ومقتنيات قديمة تباع في مزادات بملايين الدولارات، رغم أن تكلفة عملها بسيطة جدا في حكم لا شيء تقريبا، إذا أخذنا التكلفة بالمعنى المحاسبي. ولكن ارتفعت قيمتها بسبب تكلفة الفرصة، وتدقيقا أكثر تكلفة الفرصة الضائعة أو الفرصة المتروكة.
تعني فكرة تكلفة الفرصة، أو بتعبير آخر تكلفة فرصة القيام بعمل من الأعمالOpportunity Cost، تعني: اقتصاديا القيمة الضائعة بسبب أحسن اختيار متروك.
فهم العبارة السابقة الأخيرة مبني على فهم وقبول الآتي: رغبات الناس وما تشتهيه نفوسهم لا حدود لها، بينما الموارد المتاحة لهم لتحقيق تلك الرغبات لها حدود، وعلى هذا لابد من الاختيار بين الرغبات أو الطلبات، والتضحية بالباقي. لو كانت الموارد لا حدود لها لأمكن تحقيق كل الطلبات، ولما وجدت أصلا مشكلة اختيار، ولكن هذا غير موجود.
وبما أن الرغبات المتروكة ليست متساوية الأهمية، فإن تكلفة الفرصة لدى الاقتصاديين يقصد بها أعلى قيمة متوقعة مضحى بها، أي القيمة المتوقعة لأول خيار بديل. من المهم أن يعرف أن تحديد أهم خيار بديل وقيمته المتوقعة يرجع فقط إلى الشخص الذي بيده القرار.
مثلا: حينما يتوافر لديك مبلغ من المال وتشتري به سيارة جديدة؛ فشراء السيارة يعني التضحية بالاختيارات الأخرى مثل ترميم المنزل أو إقراض قريب... إلخ. مثال آخر: إنسان يمتلك محلا وعنده عدة خيارات للاستفادة من هذا المحل، منها أن يؤجره أو يتخذه مكانا لممارسة نشاط تجاري. لنفترض أنه عمله متجرا، ولنفترض أن أقرب بديل هو تأجيره. يعد مبلغ الإيجار الذي فات المالك الحصول عليه هو تكلفة فرصة استعمال المحل، ويسمى هذا النوع من تكلفة الفرصة التكلفة الضمنية.
ما العلاقة بين تكلفة الفرصة والأسعار؟
كلما زادت تكلفة الفرصة الضمنية عنى ذلك ارتفاع التكلفة على الاستخدام أو الشراء. ففي مثالنا السابق عن المحل، زيادة الرغبة في استئجاره تزيد قيمة تأجيره. وهذا يزيد من قيمته وتكلفة استخدامه على مالكه. وهذا أحد أسباب الارتفاع الحاد في أسعار آثار ولوحات بعينها، أو أسعار أراضي المدن الكبرى في العالم. هذه الأوضاع وما يتبعها من مصالح جعلت تكلفة الفرصة عالية.
من المفيد أن أشير إلى أن تكلفة الفرصة قد تكون خاصة، حيث ينظر إلى المنافع المضحى بها العائدة إلى أفراد، وقد تكون عامة حيث ينظر إلى منافع المجتمع المضحى بها.
طبعا من الممكن أن يسأل القارئ عن الفائدة من نظرة الاقتصاديين إلى تكلفة الفرصة العامة. أهم فائدة المساعدة في تقييم السياسات الاقتصادية بقدر تحقيقها المصلحة العامة.
من المواضع التي تظهر فيها فائدة فكرة تكلفة الفرصة، حينما تكون الأموال أو الموارد المدفوعة لا تعكس تكلفة هذه الموارد على الآخرين أو المجتمع، بينما يجب أن تظهر ظهورا حقيقيا تكلفة هذه الموارد على المجتمع أو الآخرين. وجود الكسارات والمصانع داخل المدن، ووجود المدخنين بين غيرهم أمثلة تطبيقية. في هذه الأمثلة يكون المستفيد المباشر قد حصل على جزء من موارد غيره مجانا. كيف تقدر السلطات قيمة الأضرار؟ أو قيمة "فائدة" منعها؟ عبر تقدير تكلفة الفرصة على المتضررين، فهي إذا تساعد على تصحيح الصورة المشوهة لتكلفة الموارد على المجتمع.
من الأمثلة الأخرى استخدام تكلفة الفرصة عند تخطيط وتوزيع مخصصات الميزانية. من وسائل تقييم الأولويات في توزيع المخصصات النظر إلى تكلفة الفرصة المترتبة على توزيع المخصصات بطريقة ما. هذا وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
ثمة اختلافات مهمة بين الطريقتين المحاسبية والاقتصادية التي يتعامل بها علماء الاقتصاد في قياس التكاليف. وفي هذا المقال أتحدث عن نقطتي اختلاف. الأولى في طريقة قياس استهلاك الأصول. والأخرى في التكاليف الضمنية ومنها الفرص الضائعة.
لابد من احتساب قيمة تعبر عن تكلفة نتيجة استخدام واستهلاك الأصول التي تملكها المنشأة التي تقوم أعمالها على قياس تكاليف التشغيل. ذلك أن ما تملكه المنشأة من آلات ومبان تستهلك مع الوقت. ولابد من مراعاة ذلك في بيان الربح والخسارة في القوائم المالية. ويتم ذلك عبر أولا: قياس تكلفة الأصول. ومن تكلفة الأصول يجري اشتقاق أو قياس الاستهلاك الدوري، بناء على أعراف ومعايير محاسبية. السؤال التالي عن طريقة تقييم هذه الأصول. الاعتماد محاسبيا عادة على القيمة التاريخية. وهذه نقطة خلاف مع الاقتصاديين.
ذلك أن القيمة التاريخية تتغير، خاصة في الأصول العقارية أو ذات الطبيعة النادرة. وهناك توجه محاسبي لتفهم أقوى لموضوع التغير التاريخي في قيمة الأصول. وتبعا في قياس استهلاكها.
تظهر المشكلة أقوى في أصول المنشآت من الأراضي. ذلك أن الأرض لا تستهلك. بل يجري عادة العكس، حيث يزيد ثمنها مع الوقت. وهناك أصول أخرى ليست عرضة للاستهلاك، كالآثار وما يلحق بها، بل يحدث أحيانا العكس بأن ترتفع قيمتها مع الوقت. هناك رسومات يدوية ومقتنيات قديمة تباع في مزادات بملايين الدولارات، رغم أن تكلفة عملها بسيطة جدا في حكم لا شيء تقريبا، إذا أخذنا التكلفة بالمعنى المحاسبي. ولكن ارتفعت قيمتها بسبب تكلفة الفرصة، وتدقيقا أكثر تكلفة الفرصة الضائعة أو الفرصة المتروكة.
تعني فكرة تكلفة الفرصة، أو بتعبير آخر تكلفة فرصة القيام بعمل من الأعمالOpportunity Cost، تعني: اقتصاديا القيمة الضائعة بسبب أحسن اختيار متروك.
فهم العبارة السابقة الأخيرة مبني على فهم وقبول الآتي: رغبات الناس وما تشتهيه نفوسهم لا حدود لها، بينما الموارد المتاحة لهم لتحقيق تلك الرغبات لها حدود، وعلى هذا لابد من الاختيار بين الرغبات أو الطلبات، والتضحية بالباقي. لو كانت الموارد لا حدود لها لأمكن تحقيق كل الطلبات، ولما وجدت أصلا مشكلة اختيار، ولكن هذا غير موجود.
وبما أن الرغبات المتروكة ليست متساوية الأهمية، فإن تكلفة الفرصة لدى الاقتصاديين يقصد بها أعلى قيمة متوقعة مضحى بها، أي القيمة المتوقعة لأول خيار بديل. من المهم أن يعرف أن تحديد أهم خيار بديل وقيمته المتوقعة يرجع فقط إلى الشخص الذي بيده القرار.
مثلا: حينما يتوافر لديك مبلغ من المال وتشتري به سيارة جديدة؛ فشراء السيارة يعني التضحية بالاختيارات الأخرى مثل ترميم المنزل أو إقراض قريب... إلخ. مثال آخر: إنسان يمتلك محلا وعنده عدة خيارات للاستفادة من هذا المحل، منها أن يؤجره أو يتخذه مكانا لممارسة نشاط تجاري. لنفترض أنه عمله متجرا، ولنفترض أن أقرب بديل هو تأجيره. يعد مبلغ الإيجار الذي فات المالك الحصول عليه هو تكلفة فرصة استعمال المحل، ويسمى هذا النوع من تكلفة الفرصة التكلفة الضمنية.
ما العلاقة بين تكلفة الفرصة والأسعار؟
كلما زادت تكلفة الفرصة الضمنية عنى ذلك ارتفاع التكلفة على الاستخدام أو الشراء. ففي مثالنا السابق عن المحل، زيادة الرغبة في استئجاره تزيد قيمة تأجيره. وهذا يزيد من قيمته وتكلفة استخدامه على مالكه. وهذا أحد أسباب الارتفاع الحاد في أسعار آثار ولوحات بعينها، أو أسعار أراضي المدن الكبرى في العالم. هذه الأوضاع وما يتبعها من مصالح جعلت تكلفة الفرصة عالية.
من المفيد أن أشير إلى أن تكلفة الفرصة قد تكون خاصة، حيث ينظر إلى المنافع المضحى بها العائدة إلى أفراد، وقد تكون عامة حيث ينظر إلى منافع المجتمع المضحى بها.
طبعا من الممكن أن يسأل القارئ عن الفائدة من نظرة الاقتصاديين إلى تكلفة الفرصة العامة. أهم فائدة المساعدة في تقييم السياسات الاقتصادية بقدر تحقيقها المصلحة العامة.
من المواضع التي تظهر فيها فائدة فكرة تكلفة الفرصة، حينما تكون الأموال أو الموارد المدفوعة لا تعكس تكلفة هذه الموارد على الآخرين أو المجتمع، بينما يجب أن تظهر ظهورا حقيقيا تكلفة هذه الموارد على المجتمع أو الآخرين. وجود الكسارات والمصانع داخل المدن، ووجود المدخنين بين غيرهم أمثلة تطبيقية. في هذه الأمثلة يكون المستفيد المباشر قد حصل على جزء من موارد غيره مجانا. كيف تقدر السلطات قيمة الأضرار؟ أو قيمة "فائدة" منعها؟ عبر تقدير تكلفة الفرصة على المتضررين، فهي إذا تساعد على تصحيح الصورة المشوهة لتكلفة الموارد على المجتمع.
من الأمثلة الأخرى استخدام تكلفة الفرصة عند تخطيط وتوزيع مخصصات الميزانية. من وسائل تقييم الأولويات في توزيع المخصصات النظر إلى تكلفة الفرصة المترتبة على توزيع المخصصات بطريقة ما. هذا وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية