علاقة الأجور والقروض بالاستقرار الاقتصادي

04/03/2019 3
عبد الحميد العمري

بلغ إجمالي الأجور المدفوعة إلى العاملين في سوق العمل المحلية "قطاع حكومي، قطاع خاص" بنهاية العام الماضي أعلى من 770.7 مليار ريال "296.7 مليار ريال للقطاع الخاص، 474 مليار ريال للقطاع الحكومي"، وتشمل مدفوعات الأجور كلا من السعوديين والوافدين، في المقابل ارتفع إجمالي القروض المصرفية الممنوحة للأفراد بنهاية العام نفسه إلى نحو 493.7 مليار ريال، توزعت على النحو الآتي: 323.6 مليار ريال قروض استهلاكية "65.6 في المائة من إجمالي القروض"، ونحو 15.3 مليار ريال قروض بطاقات ائتمان "3.1 في المائة من إجمالي القروض"، ونحو 154.7 مليار ريال قروض عقارية "31.3 في المائة من إجمالي القروض".

وبنسبة تلك القروض المصرفية مجتمعة إلى إجمالي الأجور السنوية المدفوعة للعمالة، سنجد أنها تشكل نحو 64 في المائة من إجمالي الأجور السنوية، وتختلف نسب استقطاع الأقساط الشهرية لسداد تلك القروض المصرفية حسب أنواعها أو في مجملها من إجمالي الأجور، التي تتأرجح بين 30 في المائة إلى نحو 65 في المائة، وبالطبع فإنه كلما زاد استقطاع تلك النسبة من الأجر الشهري للعامل، انخفض إنفاقه الاستهلاكي، عدا ما سينتج عنه من تأثيرات عكسية على مستوى رفاهيته وأسلوبه المعيشي.

وفي الوقت الذي شكل خلاله الإنفاق الاستهلاكي الخاص نحو 38.1 في المائة خلال العام الماضي، منخفضا من 41.3 في المائة خلال عام 2017، إلا أنه يمثل ثقلا مهما في الاقتصاد الوطني، وما تقوم به السياسات الاقتصادية الراهنة على مستوى الدعم المستمر للطلب المحلي للاقتصاد، عبر عديد من الأدوات الفاعلة، ومن ضمنها وأهمها تحسين مستويات الأجور المدفوعة للأفراد العاملين، ليس إلا إحدى الركائز الأساسية لنجاح تلك السياسات، وهو ما يتم لأجله اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة خلال الفترة الراهنة للحد من انخفاض نسبة الأجور السنوية إلى الإنفاق الاستهلاكي الخاص، التي انخفضت من 71.8 في المائة خلال 2016 إلى أن وصلت بنهاية العام الماضي إلى 68.9 في المائة، لما تمثله الأجور من أهمية لدعم القدرة الشرائية للأفراد، التي تمثل بدورها أهمية جوهرية للإنفاق المحلي، تكمن أهميتها القصوى في نهاية المطاف لأجل دعم استقرار الاقتصاد الوطني، عبر تلك العلاقات المتبادلة بين تلك المتغيرات الرئيسة.

هذا بدوره يقود إلى أهمية إرساء التوازن بصورة مستمرة بين تلك المتغيرات، وأن يتم تنفيذ السياسات الاقتصادية الحصيفة، للدفع بمقدرات الاقتصاد والمجتمع على حد سواء نحو النهايات، التي تفضي إلى استقرار الاقتصاد الوطني، ورفع مستويات التنمية والرفاهية والظروف المعيشية لأفراد المجتمع وأسرهم، التي يتحقق تحت استقرارها وتوازنها النفع العام لمختلف نشاطات الاقتصاد، وبما يلبي الاحتياجات التنموية للمجتمع، دون التورط في مواجهة أي تحديات من أي نوع، قد ينتج عنها ما قد يعطل نمو الاقتصاد الوطني على مستوياته كافة.
وبالنظر إلى ما تستهدفه برامج الإسكان ضمن مستهدفاتها الاستراتيجية بحلول عام 2020، لأجل تمكين المواطنين من الحصول على تمويل سكني مناسب، يسعى إلى رفع نسبة التمويل العقاري من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 8 في المائة "سنة الأساس"، إلى 15 في المائة بحلول 2020، فإن ذلك يشير تقديريا في حال تحققه إلى ارتفاع حجم القروض العقارية على الأفراد إلى مستويات مقاربة لنحو 344 مليار ريال، ومع افتراض استقرار القروض الاستهلاكية وبطاقات الائتمان عند مستوياتها الراهنة نفسها، يمكن القول إن إجمالي القروض المصرفية يمكن أن يرتفع إلى نحو 683 مليار ريال بحلول 2020، وأن يتوزع حسب الآتي: 50 في المائة قروض عقارية، 47 في المائة قروض استهلاكية، 2 في المائة قروض بطاقات ائتمان. والأهم من ذلك؛ أن إجمالي القروض المصرفية يمكن أن يصل إلى أعلى من نسبة 91 في المائة من إجمالي الأجور السنوية "بافتراض محافظتها على نموها السنوي الراهن البالغ نحو 6 في المائة".

تظهر أهمية التعامل مع مثل هذا التحدي التنموي الجسيم، ممثلا في احتمال ارتفاع نسبة القروض المصرفية لإجمالي الأجور السنوية إلى تلك النسبة المرتفعة جدا، ستمثل القروض العقارية الدافع الأكبر والرئيس في وتيرتها الصاعدة، أن يتم العمل من الآن على إنجاح تحقق أي خيارات أخرى تسهم بتوازن شامل في تحقق عموم الأهداف الاستراتيجية لخطط التحول 2020، التي تستهدف تحقيق نمو مستدام للاقتصاد الوطني، وفي الوقت ذاته تستهدف رفع معدلات تملك المواطنين لمساكنهم، ورفع نسبة التمويل العقاري، وغيرها من الأهداف الأخرى في الاتجاه ذاته، والعمل أيضا على ألا تقف أية تحديات مهما كانت في وجه أي من الأهداف الاستراتيجية لتلك الخطط المهمة لاقتصادنا ومجتمعنا، ذلك أن أي تضارب محتمل بين تلك الأهداف، لا شك في أنه سيؤدي خلال الفترة القادمة إلى تعطيل بعضها بعضا، وقد تأتي النتائج عكسية بصورة أكبر، في حال تسبب ذلك التضارب في عدم تحقق أغلب الأهداف المخطط لها، وهو الأمر الذي يأمل الأطراف كافة ألا يحدث لا قدر الله.

من أهم تلك الخيارات المتاحة، والأقل تكلفة على كاهل الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، أن يتقدم العمل المشترك في اتجاه خفض تكلفة تملك المساكن بالنسبة للمواطنين، الذي سيقتضي بدوره انخفاض تحملهم لأعباء قروض عقارية أعلى، ويقلص بدوره من أية مخاطر محتملة سواء عليهم، أو على الجهات الممولة، وبكل تأكيد سيحمل ذلك مخاطر أقل بكثير على الاقتصاد الوطني!

الجميع يأمل بكل تأكيد أن تترجم كل الأهداف المخطط لها على أرض الواقع، وأن تتحقق جميعها بما يخدم استقرار ونمو الاقتصاد الوطني، وبما يلبي احتياجات المجتمع، وأن يكون الجميع في تلك المعادلة رابحا، وألا يأتي ربح طرف من الأطراف على حساب خسارة طرف آخر. والله ولي التوفيق.

نقلا عن الاقتصادية