سوق الأسهم السعودية.. الفقاعة الكبرى والانهيار العظيم 1-2

28/02/2019 11
عبدالله الجعيثن

سجلت سوق الأسهم السعودية أسوأ أداء بين بورصات العالم خلال عام 2006م حيث انخفضت خلال ثمانية أشهر من ذلك العام بنسبة تزيد على ستين في المئة!!.. وزاد انخفاضها في اوائل عام 2007م إلى أكثر من 65% إذ هوى المؤشر من 20967 نقطة في فبراير 2006م إلى أقل من 7000في اوائل 2007م وفي فترة لا تزيد عن 9أشهر فقط!!

لقد كونت سوقنا فقاعة كبرى بالغة الخطورة ابتداءً من منتصف عام 2005، وكانت الفقاعة واضحة جدا (إذ وصلت مكررات الأسهم الجيدة إلى 57 مرة وأكثر أما أسهم الخشاش فوصلت أسعارها الألوف مع أنها تخسر) مما يعني إما ارتفاع أرباح تلك الشركات بنسبة تفوق (500%) أو نزول أسعار تلك الشركات إلى مكرر ربحي عادل حسب أرباحها وقتها أي في حدود (18) وقد حذر بعض المتابعين والكُتاب من خطورة تلك الفقاعة ومنهم كاتب هذه السطور في عدة مقالات موجودة في الموقع الالكتروني في جريدة الرياض منها : (نقود كثيرة تطارد أسهماً قليلة) و ( ظاهرة التساهل بالديون) و ( ضعوا حدّاً لطوفان السيولة ) و (المسؤول الذي يرى اكتتاب البلاد والاتحاد يجب أن يقفز من كرسيه) و ( إلى القادمين الجدد لسوق الأسهم) و (إذا دخل الزبال سوق الأسهم فاهرب)وغيرها، كلها تحذير من عواقب الفقاعة وهي منشورة أواخر 2005 وماقبله.

ولكن  النفخ توالى في تلك الفقاعة بضخ الأموال الوهمية (التسهيلات والقروض) وبهوس جماعي إذ بلغ عدد المحافظ أكثر من مليونين وأقبل على الاكتتاب الأولي (والذي كان شحيحاً) نصف سكان المملكة!!.. وأكثرهم ليس لهم خبرة بالسوق ولا يعرفون الأسهم أصلاً فربحوا من الاكتتابات ثمانمائة في المئة!!.. وظنّ كثير منهم أن السوق على هذه الشاكلة أو قريب منها فوضعوا كل ما يملكون في السوق، وبعضهم باع بيته وذهب زوجته، وتسابقت المصارف لإقراض الجميع ولفتح صناديق أسهم بمختلف المُسميات وصارت بعض المصارف تغري الناس بالتسهيلات والقروض الشخصية وتزورهم في مكاتبهم ومنازلهم لعرض القروض عليهم بضمان الأسهم أو الراتب أو الأمرين معاً فباب الإقراض مفتوح على الآخر ومن يقترض على راتبه ويضع القرض في صندوق الأسهم يستطيع أن يقترض بضمانة القرض المضمون بحجز ثلث الراتب أو ربعه!! هكذا فعلت بعض المصارف والصناديق مع شح غريب في الطرح الاولي فاندفعت تلك الأموال الهائلة (وكثير منها وهمية = قروض) تطارد اسهماً قليلة فنفخت أسعار الأسهم غثها وسمينها فوق ما تحتمل حتى أصبحت القيمة السوقية لاسهمنا في ذروة الفقاعة أكثر من الناتج الوطني خمس مرات تقريباً!!.. مع أن عدد شركات السوق وقتها قليل (77 شركة) مقارنة ب(169 شركة) الآن.

ورغم وجود كثيرين من العقلاء حذروا ونشروا ذلك إلا أن كثيرين آخرين كانوا ينفخون في البالون ويتوقعون ارتفاعات أكبر عبر محللي الفضائيات وبعض الصحف، فاشتغل الطمع واشتعل وهو - أي الطمع - يُعْمِي البصيرة ويجعل الأغنياء فقراء..

دور المصارف

إن اندفاع كثير من مصارفنا وقتها للإقراض المحموم طمعاً في الكسب الكبير (حيث تبلغ عمولة القروض الشخصية سبعة أضعاف العمولة السائدة عالمياً والتي كانت في حدود 2% مما ساعد في اشتعال المضاربات مع ارتفاع أسعار النفط المتصاعد وقتها) بالإضافة إلى ان تسابق المصارف في منح التسهيلات الهائلة بضمان الأسهم وللشراء في الأسهم قد فاقم الوضع كثيراً وخاصة أن جيوش القادمين الجدد لسوق الأسهم لا يعرفون عنها أكثرمن ربح الاكتتاب الفاحش.. وكان ل (صناديق الأسهم السعودية) التي تديرها بنوكنا، دور هائل في انتفاخ تلك الفقاعة ثم حدوث الزلزال، والمفارقة المؤلمة أنها كانت من أشد ضحايا الزلزال مع أنها من أهم مسبباته، فقد خسرت من أصولها أو خسرت المشتركين فيها أكثر من ستين في المئة في المتوسط خلال أقل من سنة وتلك كارثة مأساوية بكل المقاييس، خاصة حين نعرف العدد الكبير للمشتركين في تلك الصناديق، وعدد من يعولون، وعدد من اقترضوا على رواتبهم ووضعوا تلك القروض في تلك الصناديق ثم أغرت بعض البنوك هؤلاء المقترضين أصلاً بمنحهم قروضا اضافية بضمان حصصهم في صناديقها وكثير منهم فعل وأخذوا قروضاً جديدة وضاربوا بها في (عجّة) سوق الأسهم وقد طار فلا يشق غباره انتفخ بالأموال الوهمية (القروض) وشكل (فقاعة كبرى) ثم انفجر في وجه المتداولين ومدراء الصناديق والمقترضين خاصة فأصابهم بما يشبه الزلزال العظيم الذي لاتزال توابعه وزوابعه مستمرة وقد تمتد آثارها الاجتماعية والاقتصادية وربما الأمنية أيضاً عدة سنين إلا أن يرحم الله عز وجل..

دور الصناديق

كانت صناديق الاستثمار في سوق الأسهم المحلية تستقبل سيلاً متواصلاً من الأموال تتدفق عليها من مختلف فئات المجتمع، وكانت البنوك سعيدة غاية السعادة بهذه الأموال الهائلة المتدفقة، فهي تربح منها عدة مرات بدون أن تخسر أي شيء أو تشارك في أي جزء من المخاطرة:

1- تربح من إدارة الصندوق في حدود 2% من رأس المال!! ولو خسر!!

2- تربح من عمولات شراء الصناديق للأسهم وبيعها بشكل كبير ولا أحد يفاوضها على العمولة لأنها هي التي تدير الصناديق كما تريد، القرار قرارها وهي تبحث عن كامل المنفعة لنفسها فمن يفاوضها؟ إن البنوك تعطي خصماً على الحد الأعلى لعمولات شراء وبيع الأسهم يصل إلى ثمانين في المئة لكبار العملاء، وأكبر العملاء لا يمكن أن يصل رأس ماله الى ما وصل اليه صندوق من صناديق الأسهم في عزها كما أن اكبر العملاء لا يمكن أن يشتري ويبيع بتلك الكثافة التي تمارسها صناديق البنوك!! لأن صناديق البنوك كلما زادت كثافة الشراء والبيع زادت عمولاتها بشكل خرافي!!

وإلى الآن لا ندري هل هي تمنح تلك الصناديق أي خصم في عمولة الشراء والبيع كما تفعل حتى مع متوسطي العملاء (لأنهم يفاوضونها ويهددون بنقل الحساب) أما الصناديق فصامتة لا تفاوض ولا تهدد وكيف تفاوض أربابها وأهلها أو تهددهم؟!

وربما كانت البنوك تأخذ العمولة كاملة على مشتركي صناديقها حتى وهم يخسرون وينزفون!!

والبنوك لم تكن تشارك في أصول الصناديق الا عند تأسيس صندوق جديد تشارك في البداية (كطُعْم لجذب السمك) ثم تسحب مشاركتها مع تدفق أموال المواطنين وتشد حيلها في الشراء والبيع وحصد الأرباح من هنا وهناك من أصل الصندوق ربح أم خسر ومن عمولات البيع والشراء أياً كانت النتيجة وأياً تكون!! الشغل على المضمون!!

3- وتربح البنوك من القروض الشخصية الهائلة (تجاوزت 180مليار ريال وقتها !!) أرباحاً هائلة تدخل في باب الربح الفاحش حيث تأخذ فائدة مركبة تصل إلى 14% في عز تكون الفقاعة بينما الفائدة على الدولار والريال في حدود اثنين ونصف في المئة وقتها!!

ثم تصب كثير من تلك القروض الشخصية في بطون صناديقها التي لا تشبع أبداً فتربح من جديد الأرباح المذكورة أعلاه كرسم سنوي على الصندوق وكعمولات شراء وبيع تصب في خزائنها كالسيل المنهمر!! وهي (كالبلف) يدخل الماء ولا يخرج منه شيئاً!!.

مدراء الصناديق

ومدراء تلك الصناديق على اختلافهم في الكفاءة كانوا أقل خبرة وكفاءة من المضاربين القدماء الأذكياء والمزودين بخبرة طويلة، وكانوا بالطبع أبطأ في اتخاذ القرار، ثم كانت (قاصمة الظهر) انهم يقيسون كفاءة الصندوق بمسايرته للمؤشر، فإذا ارتفع المؤشر أكثر من ارتفاع الصندوق فكفاءة مدرائه ناقصة والعكس..

هذه هي (قاصمة الظهر) بالنسبة لتلك الصناديق ولكنها (فرصة العمر) بالنسبة للمضاربين المحترفين فقد اخذوا يرفعون على الصناديق أسهم الشركات المؤثرة في الأسهم والصناديق تلاحقهم لأنها تقارن كفاءتها بأداء المؤشر وتنسى أن العبرة بالنتائج وأن القواعد الكلاسيكية في الأسواق تظل هي المرجع الحقيقي ولو تناساها الناس فترة من الزمن، وأهم تلك القواعد هي مكرر الربح ومكرر القيمة الدفترية..

ولكن الصناديق يهمها - عن حسن نية على ما يظهر - أن تلاحق المؤشر وأن تكثف الشراء حسب تدفق الأموال عليها والتي كانت تزداد باليوم بل بالساعة والمضاربون الخبراء يدركون هذا فيرفعون عليها أسهم الشركات المؤثرة وهي تتبعهم وهم أسرع منها في الشراء وفي البيع وحين بلغ السيل الزبا وامتلأت الفقاعة بآخر نقطة هواء تحتملها باع المضاربون المحترفون بقرارهم الفردي السريع وبقيت معظم الصناديق محتارة مترددة تسلي نفسها بأن أداءها الذي انخفض قد انخفض معه المؤشر وهذا معيار الكفاءة!! أي كفاءة هذه؟!! ثم رأى المشتركون في هذه الصناديق أن أرباحهم تتبخر اسبوعاً بعد أسبوع لانخفاض أصول الصناديق وأسعار وحداتها، وأكثر المشتركين في هذه الصناديق جدد على سوق الأسهم تأملوا ان ترجع الصناديق لتربح وأن يرتفع السوق كله وأن يكون ما حدث مجرد مطب هوائي وليس زلزالاً حقيقياً.. أما كبار المشتركين في تلك الصناديق فكثير منهم طلب سحب نقوده فشرعت الصناديق في البيع لتلبية السحوبات ،والمضاربون أسرع منها وأشطر مما جعل السوق ينزل بشكل عمودي ويمر به أسبوع من أعجب أسابيع الزمن في تاريخ الأسهم في العالم كله حيث لا يوجد طلب وكل الموجود عروض في عروض وشاشة حمراء قانية واقفة لا حركة فيها كأنها جثة هامدة نزفت دماءها بغزارة..

وكلما وجد طلبات تم تلبيتها ثم اصطنع المضاربون المهرة ارتدادا وهميا لجذب الصناديق وغير الصناديق ليتخلص المضاربون مما بقي في أيديهم وهو كثير جدا فسرعة النزول أسرع من أسرع مضارب!! الشاهد في هذه (الدراما) كلها أن صناديق الأسهم بتلك الطريقة لا تخدم سوق الأسهم ولا تخدم المشتركين فيها ولا تقدم للاقتصاد الوطني غير الإرباك التام.. فمع كل نزول جديد يكثر الساحبون الفاقدو الثقة في هذه الصناديق وهذه السوق حتى تجاوز التصحيح مداه ووصلت الشركات القيادية الى مكررات مغرية جدا لم تصل لها عام 1998حين كان سعر برميل النفط 8دولارات وكانت الفائدة سبعة ونصف في المئة ولا يعود هذا لضعف أداء الشركات القيادية وانما يعود لفقدان الثقة في السوق حيث أقبل القادمون الجدد لسوق الأسهم على طلب سحب أموالهم من صناديق الأسهم أو بيع أسهمهم في السوق ان لم يكونوا مشاركين في الصناديق في وقت متأخر جدا هو وقت الشراء لا البيع ولكنهم لا يملكون الخبرة ولا الثقافة الاقتصادية (معظمهم) وأخذت الصناديق تبيع والسوق في الحضيض والمكررات مغرية تلبية لطلب عملائها بسحب أموالهم فجنت على السوق بخفضه الى الحضيض والنزول الزائد عن أي تصحيح عادل، فكانت الصناديق بوضعها هذا من أكبر اسباب رفع السوق الى السماء ثم خفضه تحت الثرى!

والعبرة من هذا كله هو أن صناديق الأسهم في البنوك ينبغي أن يوضع لها لائحة تحميها وتحمي السوق منها فلا يتعرض لمثل ذلك الزلزال المدمر بسببها وبسبب أموال المضاربين الساخنة التي عرفوا كيف يديرون بها صناديق البنوك وهي لا تشعر كأنما هي منومة مغناطيسيا!

اقتراحات لصناديق الأسهم

إن الإشراف على صناديق الأسهم كان وقتها تحت إشراف مؤسسة النقد ثم انتقل  الى هيئة سوق المال (جهات الاختصاص) ونقترح على الهيئة الموقرة ان تضع في لائحة الصناديق عدة شروط منها:

1- ان يشارك مدير الصندوق (سواء أ كان بنكا أم شركة استثمارية) بربع رأس مال الصندوق أو على الأقل بعشرين في المئة منه بحيث يكون اهتمامه أكثر بربحية الصندوق وتجنيبه المخاطر وأخذ الحذر لأنه هنا يكون شريكاً وليس مجرد مدير ربحه مضمون في حالتي الربح والخسارة ويقتضي هذا أن يحدد سقفاً أعلى لرأس مال كل صندوق بمدى قدرة مديره على المشاركة فيه بشكل لا يؤدي بالمدير للخسارة الجائرة.

وطالما رخصت الهيئة لعدد من شركات الاستثمار وإدارة الأموال - اضافة للمصارف - فسوف تزداد أعداد الصناديق ويزداد مديروها ويهتمون أكثر إذا شاركوا بأموالهم في أصول الصناديق وسرى عليهم ما يسري على العملاء من ربح وخسارة.

2- ان يُلزم كل صندوق بالاحتفاظ بسيولة لا تقل عن عشرة في المائة يوظفها بالمرابحة الإسلامية قصيرة الأجل بحيث لا يضطر للبيع والسوق شراء تلبية لسحوبات طارئة، بل تتوفر لديه تلك السيولة التي لا تستخدم إلا إذا واجه الصندوق سحوبات في أوقات تكون فيها الأسعار مغرية بالشراء وليس البيع، حسب مكررات الربح ومقارنتها بالفائدة.

3- أن يشترط في مديري الصناديق الكفاءة والأمانة وأن توضع لجنة لتقييمهم واجازتهم ثم مراقبة ادائهم.

4- ان تحدد عمولة مدير البنك على الأصل بأقل مما هي عليه الآن، وأن يحصل الصندوق على خصم في عمولة الشراء والبيع تفوق عمولة كبار عملاء المصرف أو الشركة لأن الصندوق يظل كبيراً ودائم التعامل مع المصرف أو الشركة وجزءاً من سمعتها المالية.

وإن شاء الله في المقال القادم سوف نناقش الأسباب الأخرى التي أدت بسوقنا إلى الفقاعة الكبرى والانهيار العظيم.

نقلا عن الرياض