لوحظت خلال السنوات الـ 20 الماضية ارتفاعات كبيرة في أسعار المساكن، تتجاوز كثيرا الارتفاعات في الأجور. حدث ذلك على المستويين العالمي والمحلي، ومن ثم ازدادت صعوبات الحصول على سكن. من الممكن البحث عن حلول تسهم في تخفيف المشكلة تخفيفا ملموسا. الحلول أو بالأحرى تسهيلات الحصول على سكن تتوزع بين دعم العرض ودعم الطلب؛ فالأول يسهم في خفض الأسعار. أما الآخر فعلى العكس؛ لأنه يزيد القوة الشرائية. وهناك وسيط فعال في تخفيف المشكلة، وخلاصته في توفير نقل عام كفء ونشط داخل المدن وبين المدن والمحافظات. والسؤال التالي: كيف؟ من الملاحظ عالميا أن الوظائف والأعمال في القطاعين العام والخاص تتركز في مدن كبيرة وتجمعات حضرية نحو تلك المدن. وقوة الطلب على العيش في تلك المدن، تجر إلى توسعها وزيادة تكلفة تشغيلها، وتكلفة العيش فيها، ومن ثم فإن من مفاتيح الحل النقل العام.
مطلوب توفير نقل عام سريع وكفء وذي انتشار واسع مكانا وعدد رحلات طيلة اليوم، خاصة وقت الدوام، وبأسعار رخيصة نسبيا. يستهدف التوسع في توفير نقل عام كفء ومنتشر ورخيص نسبيا تحقيق ثلاثة أهداف: الأول إضعاف قوة الطلب على العيش في تلك المدن الكبيرة. والثاني تقليل الحاجة إلى استعمال السيارات الخاصة، فيقل زحام السيارات وتقل حوادثها، وتقل الحاجة إلى مزيد من الإنفاق الحكومي على التوسع في الشوارع والطرقات، وتقل مصروفات العائلات على سياراتها. والثالث التسهيل على أعداد كبيرة من الموظفين الذين دفعتهم الظروف إلى السكن بعيدا عن أماكن عملهم، بالتسهيل عليهم للوصول إلى أماكن العمل. إن توسيع الطرق بمعزل عن توفير نقل عام قوي لا يقضي على الزحام.
لماذا لا يقضي على الزحام؟ سبق أن أجبت عن هذا السؤال في مقال عنوانه "توسيع الطرق لا يقضي على الزحام والسبب الطلب الكامن" نشر في 7 أيار (مايو) من هذا العام. طبعا من المهم أن تكون تكلفة النقل العام ميسورة بما يحفز على الرغبة القوية في استخدام هذا النقل. وفي الوقت نفسه، يوفر على الناس مصروفات كثيرة جراء استخدام سياراتهم الخاصة، كما أنه يقلل حاجة العائلات إلى استقدام سائقين. وخلاف ذلك هو أنظف للبيئة، جراء تقليل استخدام السيارات، فتقل كمية الغازات المنبعثة من عوادمها. هناك سياسات وأدوات كثيرة يمكن تبنيها لتحفيز كثيرين على السكن في المحافظات واستخدام النقل العام. من هذه السياسات جعل تسعيرة الكهرباء والماء ووقود السيارات في المدن أعلى مقارنة بالأسعار في المحافظات والقرى، لكنه ينبغي ألا تكون أعلى بدرجة كبيرة. رغبة الناس في السكن في المحافظات مرتبطة بعوامل عديدة، منها توافر النقل العام الكفء. والملاحظ أن الدولة - رعاها الله - تسعى أكثر وأكثر نحو مزيد تطوير للمحافظات والمناطق البعيدة عن المدن الكبرى، تطوير يجذب كثيرين للسكن فيها. وزيارة خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - أخيرا المناطق الشمالية وما تبعها من إعلان عن أعمال ومشروعات تطويرية تصب في هذا الهدف.
وإن توفير نقل عام كفء يسهم في دعم هذه التوجهات، وهو توجه يضعف من تصاعد الطلب على السكن في المدن الكبرى، وهذا بدوره يحد من ارتفاع تكاليف السكن في تلك المدن الكبرى. ومن جهة أخرى، يقوي من نمو الطلب على السكن في غير المدن الكبرى. من المهم جدا التنسيق بين السياسات المتعلقة بالإسكان والنقل والعمل خاصة ومختلف السياسات الأخرى عامة. وهذا التنسيق يساعد على تخفيف الضغوط على التعلق بالسكن في أماكن بعينها. وأختم المقال بالتأكيد على أمرين: الأول أن تحسين شوارع المشاة يساعد على زيادة ترغيب الناس في المشي للوصول إلى محطات النقل العام.
ذلك أن كثيرا من مستخدمي النقل العام في حاجة إلى أرصفة آمنة ومظللة إن أمكن؛ للذهاب والإياب بين بيوتهم ومحطات النقل العام. والكل يعلم أن بعض الشوارع عندنا خالية من هذه الأرصفة، ولذلك اعتدنا صغارا وكبارا استعمال قارعة الطريق للمشي، فيما خصص أصلا لسير السيارات رغم خطورة ذلك، والخطورة تزداد كثيرا بالنسبة للأطفال. والآخر، أن المعول على الاستثمار العام في مجال النقل العام لتحقيق الأهداف المرجوة منه. من المتوقع والمحتمل وجود درجة من فشل السوق في حال إسناد توفير النقل العام للقطاع الخاص. الادارة
نقلا عن الاقتصادية
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
لا أعتقد أن المجتمع السعودى سيقبل على إستخدام النقل العام وخصوصا داخل المدن والدليل على ذلك أن حافلات النقل الجماعى التى تجوب شوارعنا 99% من ركابها من العمالة الوافدة.