تمضي «أرامكو السعودية» قدماً بشراكاتها العالمية في قطاع البتروكيماويات، وهي استثمارات معززة لإستراتيجيتها المستقبلية التي تتخذ من عمليات المصب هدفاً لها، ومنها شراكتها مع «توتال» الفرنسية، وتوقيعها اتفاقية لتطوير مشروع مشترك لمجمع البتروكيميائيات الضخم في مدينة الجبيل الصناعية، بالقرب من مصفاة ساتورب التي تشغلها وتمتلك فيها 62.5 في المائة مقابل 37.5 في المائة لشركة «توتال». يُعتبر مجمع البتروكيميائيات الجديد أحد أهم المشروعات السعودية الأجنبية المشتركة حيث يبلغ مجمل استثماراته 9 مليارات دولار؛ ويتميز بملاصقته لمصفاة التكرير ما يعطيه قيمة مضافة؛ وتكامل تشغيلي غير مسبوق بين المصفاة القائمة حالياً، ومجمع البتروكيماويات المزمع إنشاؤه.
يقودنا الحديث عن ضخ الاستثمارات الضخمة في المشروعات الكيميائية للتفكر في حجم استفادة المجتمع من تلك المشروعات الإستراتيجية، وانعكاسها على المدينة الحاضنة وسكانها المنكشفين على مخاطرها. لا خلاف على الانعكاسات المهمة على الاقتصاد الوطني، وأهمية استفادة جميع المواطنين دون استثناء منها، غير أن من الضرورة الاهتمام بشكل أكبر بالبيئة الحاضنة، خاصة مع تفشي القصور التنموي وضعف برامج التنمية، وارتفاع نسبة البطالة بين سكانها الشباب من الجنسين. وهو ما تعاني منه مدينة الجبيل وسكانها في الوقت الحالي.
من أهم برامج المسؤولية المجتمعية التي تحتاجها مدينة الجبيل، الاهتمام بالبيئة الحاضنة، والاستثمار في برامجها التنموية كبناء المدارس والمراكز الصحية والحدائق العامة، وتوفير فرص عمل لسكانها وفق آلية عادلة تضمن حصول الشباب والشابات المقيمين في بيئة المصانع الحاضنة على الوظائف المناسبة وفق نسبة محددة . وهو أمر مطبق عالمياً خاصة مع القطاعات الصناعية المضرة بالبيئة وصحة الإنسان، وفي مقدمها المجمعات البتروكيماوية والمصافي، ومنها مصفاة ساتورب وشركة صدارة، ومجمع البتروكيميائيات المزمع إنشاؤه بالشراكة بين أرامكو وتوتال.
خلق 8 آلاف وظيفة للمجمع الجديد أمر مهم لتوظيف الشباب السعودي، وستكون أكثر أهمية لو خصص جزء منها لتوظيف العاطلين من الكفاءات الشابة في مدينة الجبيل، وبما يشعرهم أنهم جزء مهم من تلك المشروعات التي تؤثر في صحتهم وسلامة بيئتهم إضافة إلى مخاطرها الأخرى. توطين الوظائف لا يرتبط بسعودتها فحسب؛ بل استفادة سكان البيئة الحاضنة منها. يُنتظر من مشروع أرامكو توتال الجديد، والقديم أيضاً، إضافة إلى شركات البتروكيماويات الأخرى، المساهمة الفاعلة في برامج المسؤولية المجتمعية في الجبيل؛ البيئة الحاضنة للمشروع؛ وفي مقدم تلك البرامج توظيف الشباب؛ وتنفيذ مشروعات تنموية رائدة تتوافق مع حجم الأموال المستثمرة في مجمع البتروكيماويات الضخم والمخاطر الناجمة عنها. تميز أرامكو السعودية عبر التاريخ في برامج المسؤولية المجتمعية والتنمية يحفزنا لمطالبتها بوضع نواة لمشروعها التنموي الأول في الجبيل، التي لم تحظ في تاريخها ببرنامج واحد من برامج أرامكو للمسؤولية المجتمعية، وتوظيف العاطلين من السكان الذين طالهم غُرم مخاطر صناعة البتروكيماويات ولم ينالهم غُنُمها.
نقلا عن الجزيرة