التغيير للشركات .. المهمة المستحيلة

12/09/2018 0
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

دوام الحال من المحال، كذلك الوضع بالنسبة للأعمال والشركات والاقتصاد، فلا يمكن بقاء شركة لفترة طويلة من الزمن من دون تغيير في هيكلها أو شكلها أو منتجاتها وخدماتها، وبشكل عام في أعمالها، والتغيير قد يحدث في صور وأشكال مختلفة، قد يشمل القطاع، المنتجات، الهوية، الموقع، الاستراتيجيات أو الهيكل الإداري والثقافة أو الطابع العام لدى موظفي الشركة.

إن من أعقد وأصعب الأمور قيادة التغيير لهوية وثقافة الشركة وموظفيها، خصوصا للشركات ذات التاريخ الكبير، فداخل هذه الشركات توجد عقائد وثوابت راسخة لدى موظفيها، ويوجد جو عام من التقاليد من الصعب جدا تغييرها، حيث يرفض الموظفون أنفسهم أي محاولة للتغيير وتشتد المقاومة كلما زادت عدد سنوات الموظف في الشركة، لأن من طبيعة الإنسان حب الاستقرار وعدم مغادرة ما يسمى منطقة الراحة The Comfort Zone، لذلك نجد أن كثيرا من محاولات التغيير التي يقودها الرؤساء التنفيذيون والقادة بشكل عام تفشل، خصوصا فيما يتعلق بموضوع تغيير العادات والتقاليد والنظام العام داخل الشركات، ومن يتسبب في ذلك هم الموظفون أنفسهم وعدم قدرة القادة على التعاطي بشكل مناسب مع فرض التغيير المطلوب، لذلك قد يطلق عليها مجازا وكنوع من المبالغة "المهمة المستحيلة".

إحدى النظريات التي تتعامل مع التغيير من ناحية طبيعة النفس البشرية هي نظرية المراحل الخمس للحزن أو الأسى the five stages of grief للعالمة السويسرية - الأمريكية Elisabeth Kübler-Ross المشهورة بأبحاثها حول الدراسات في موضوع القرب من الموت. هذه النظرية هي في الأصل تصف المراحل الخمس التي يمر بها الشخص عند حدوث أمر لا يريده أو لا يتمناه بشكل عام "عند حدوث المصائب أو تلقيه الأخبار السيئة" في كل مناحي الحياة وليس فقط في الحياة العملية أو المهنية، لكن تمت الاستعانة بها في معالجة مشاكل فرض التغيير لدى الموظفين "الذين - بالطبع - لا يريدون ذلك" من ناحية نفسية، وهذه المراحل هي:

1 - الرفض Denial.

2 - الغضب Anger.

3 - المفاوضة Bargaining.

4 - الكآبة Depression.

5 -القبول Acceptance.

أول ما يقع أمر ما لا يريده الإنسان يبدأ في حالة الرفض، رفض الواقع وعدم تقبله، وهذا ملاحظ عند وقوع الأخبار السيئة للناس، وطبعا كل وحسب قدرته وتحمله، ولا يملك كثيرون القدرة على التحكم فيها في وقت تلقيهم هذه الأخبار، لذلك من غير شعور يقعون فيها، وبعد وعي الشخص للواقع يتحول من الرفض إلى الغضب، وذلك عبر تصرفاته مع نفسه أو مع غيره، فيصاب بالتوتر والحدة في التعامل. بعد تجاوزه مرحلة الغضب يبدأ في حل المشكلة والتفاوض لتغيير الواقع الجديد وكنوع من عدم الرضى والتقبل للحالة الجديدة، بعدها يصاب بالإحباط إذا لم تفلح المفاوضات وأفلس من كل المحاولات لتغيير الواقع الجديد، وهنا يلاحظ تغلب مشاعر الحزن والكآبة عليه. أخيرا وللخروج من الحزن، يقبل بالوضع الجديد مع إدراكه أن هذا الوضع دائم ولن يتغير. وكما تذكر كوبلر، ليس بالضرورة مرور الكل بهذه المراحل كافة أو مرورهم بالترتيب نفسه، فقد يستمر بعض الناس في المرحلة الأولى أو الثانية حتى الرابعة (الكآبة)، مع عدم قدرتهم على تجاوزها وبلوغ المرحلة الأخيرة، وهي القبول التام.

بعد فهمنا للحالات الخمس التي يمر بها معظم الناس في تعاملهم لمواجهة الحقائق المرة والصعبة، يستطيع القائد استغلالها لفرض التغيير الذي يريده عبر عدة نقاط منها:

- مناقشة التغييرات المستهدفة مع الموظفين في وقت مبكر قدر الإمكان وقبل الإعلان عن بدء التغييرات، وإعطائهم حس المسؤولية والقيادة والتحكم في العملية.

- بناء الثقة مع الموظفين مع شفافية عالية.

- تذكّر أن التغيير قد يكون عملية حماسية وممتعة لك، لكن هي عملية مرعبة للموظفين بسبب مخاوفهم حول عدم قدرتهم التأقلم مع الوضع الجديد وغموضه بالنسبة إليهم، لذلك اقتل مخاوف الموظفين عبر عقد اجتماعات معهم وطلب مشاركتهم أي مخاوف لديهم وحاول دائما إبراز المساعدة لهم في كل مرحلة وكل عملية.

- تذكّر كذلك أن الناس لا يتحركون ولا يتفاعلون بالسرعة نفسها في إحداث التغيير، لذلك احرص على اكتشاف من هم المتأخرون وحاول تقديم المساعدة لهم بتجاوز المراحل المتأخرة لديهم حتى لا يختل ميزان التغيير داخل الشركة ومن ثم تهدد كامل عملية التغيير.

- احرص على إبقاء وسائل التواصل مع الموظفين مفتوحة مع ابتكار تواصل بطريقة غير رسمية، كالخروج معهم في غداء خارجي أو قهوة وغير ذلك، واستقبال أسئلتهم والإجابة عنها بشكل واضح دون غموض حتى لا يساء فهم ذلك ويؤدي إلى نتائج عكسية.

- اختر موظفين من الخطوط الأمامية "الموظفون الذين يكونون أسفل قائمة الهرم الإداري أو بعيدين عن مستوى الرئيس التنفيذي" ليكونوا سفراء لك وينقلوا لك وعنك المعلومات الصحيحة، وكذلك ليشجعوا البقية لتبني التغيير ويقتلوا أي إشاعات تظهر قد تفسد خطط التغيير.

- احرص على المناقشات الشفافة وشجع الجميع على إبراز مخاوفهم ومناقشتها واحرص على عمل التدريبات المطلوبة للموظفين ليتم تقليل الأخطاء أثناء تطبيق التغيير.

ختاما: أعتقد أن فهم هذه النظرية النفسية مهم جدا في التعامل مع الناس بشكل عام ومع الموظفين بشكل خاص واستغلالها لفهم مشاعر الموظفين وتوقع ردات فعلهم، والقائد الحكيم هو الذي يعرف كيف يستغلها ويوظفها بشكل ناعم وموزون ليصل إلى تطبيق التغيير المستهدف

 

نقلا عن الاقتصادية