تناولتُ في مقالة الأسبوع الماضي أهمية قطاع الشركات الكبيرة للاقتصاد، وأنها لا تلغي أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي يفترض أن تشكل القاعدة الإنتاجية، وسلسلة التوريد لقطاعها الضخم.
إصلاح قطاع المنشآت الصغيرة ليس بالأمر العسير، غير أنه يشكِّل تحديًا للحكومة الباحثة عن تفعيل دوره في الاقتصاد، ورفع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي إلى 35 في المائة.
هموم القطاع وتحدياته كثيرة ومتنوعة، منها العلاقة الإقصائية التي تنتهجها الشركات الكبيرة، وقطاعات الاقتصاد المهمة. وأبدأ بالقطاع النفطي، بعمره الزمني الطويل، الذي لم يتمكن من خلق قطاع منشآت صغيرة ومتوسطة كفؤ وداعم للاقتصاد، بالرغم من بداياته المحفزة للتوطين، ودعم المنشآت الصغيرة التي أصبحت في وقتنا الحالي من الشركات العائلية الكبرى.
وبعد إطلاق برامج التوطين، وظهور رؤية المملكة 2030، عادت أرامكو السعودية لتعزيز دورها التنموي، وتوطين القطاع الصناعي المساند لصناعة النفط، ورفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز إلى 75 في المائة، وتبني برنامج «اكتفاء» الطموح الذي يفترض أن يعوض عقودًا من التهميش لبرامج التوطين الشمولية.
ومع إيماني التام بأهمية برنامج «اكتفاء»، ودور أرامكو السعودية في التوطين، إلا أن التحديات كبيرة، ومعوقات دعم المنشآت الصغيرة كثيرة ومتنوعة، ولا تجد مَن يعالجها. والأمثلة الواقعية كثيرة لمن أراد الاستيضاح. ولعلي أركز على بيئة المنافسة غير العادلة، واستغلال المنشآت الصغيرة ومشروعات المبادرين الشباب لخلق منافسة صورية لدعم ترسية العقود.
قطاع البتروكيماويات هو القطاع الصناعي الثاني في الاقتصاد، وبالرغم من أهميته، وحجم الدعم الحكومي الذي يحصل عليه، لم ينجح حتى اليوم في خلق قطاع منشآت صغيرة داعمة ومساندة له، بل أسهم في نشوء مؤسسات التستر، وتمددها بشكل مؤلم. ما زالت ممارسات شركات البتروكيماويات الخاطئة قائمة بالرغم من برامج التوطين، وشعارات دعم المنشآت الصغيرة، والشواهد الواقعية كثيرة. من المؤسف أن يتعرض الشباب والمبادرون لمنافسة غير نزيهة من مؤسسات التستر دون أن تتدخل إدارات تلك الشركات لمعالجتها ودعمهم بحس وطني، يغلّب مصلحة التوطين على ما عداها من مصالح أخرى.. بل إن بعض الإدارات تتجاهل اعتراضات المنشآت المتضررة بدلاً من معالجتها؛ وهو ما يتسبب في نمو ظاهرة التستر وتقاطع المصالح.
أختم بأهمية دور شركة سابك، بوصفها قائدًا لقطاع البتروكيماويات، في دعم قطاع المنشآت الصغيرة. ولعلي أشير أولاً إلى خلل في برنامج تسجيل الموردين، وترسية المناقصات. تعتمد سابك في إدارة قاعدة بيانات مورديها على شركة أجنبية، تتخذ من إحدى الدول الآسيوية مقرًّا لعملياتها الموجهة إلى السوق السعودية. تقوم تلك الشركة بفرض رسوم سنوية، تصل إلى 8000 ريال، على طالبي التسجيل في سجل موردي سابك. وهي رسوم لا تستفيد منها المنشآت الصغيرة التي تُحرم غالبًا من العقود لمصلحة شركات أخرى. آلية التسجيل وترسية أوامر التوريد سمحت لشركة أجنبية بالاستفادة من السوق المحلية، وخلق وظائف خارجية لغير السعوديين، وتسببت في رفع تكاليف المنشآت الصغيرة، وحجب المنفعة عنها، وغياب العدالة، وقبل كل هذا غياب الدعم. إصلاح قطاع المنشآت الصغيرة يبدأ من الشركات الكبرى المعنية بخلق بيئة حاضنة لها، وداعمة للمبادرين الشباب، وموجهة لبرامج التوطين، ومحاربة لمؤسسات التستر التي ما زالت تنخر في عضد الاقتصاد. ونكمل بإذن الله.
نقلا عن الجزيرة
والله فضيحة بحق سابك..شكرًا للكاتب