تعني السيولة في أسواق الأسهم، السهولة في تحويل هذه الأداة بسرعة إلى نقد بأفضل الأسعار المتاحة، وبأقل كلفة وهي عمولة البيع وفارق سعر الشراء عن البيع. بينما تُعتبر السيولة ضئيلة في العقار وهو من الأدوات الاستثمارية، لأن عمليات البيع بطيئة وتكلفتها عالية، مع عدم القدرة على تجزئته. كما لا يكون بالضرورة سعر البيع الأفضل المتاح، كونه يتأثر بعدد من المشترين.
ومن المعايير المهمة للاستثمار المؤسسي في أي سوق مالية، الارتفاع في سيولة السوق وأسهم الشركات المدرجة، مع الأخذ في الاعتبار مؤشر السيولة العالية لأسهم أي شركة، إلى اتساع قاعدة المستثمرين والمضاربين على أسهمها، وبالتالي التداول اليومي فيها. لذا، نلاحظ عزوف عدد كبير من المحافظ الاستثمارية عن شراء أسهم شركات لا تتمتع بسيولة مرتفعة، على رغم جاذبية أسعارها وتميز مؤشراتها المالية والربحية.وتساهم السيولة العالية في الأسواق المالية، في استقرارها وتعميقها وتقلص التقلبات الحادة للأسعار. مثل على ذلك، الإجراءات التي اتخذتها سوق عمّان المالية لرفع مستوى سيولتها، علماً أن القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة فيها، مضى عليها نزيف استمر أكثر من ثماني سنوات. فأصبحت قيمة التداولات اليومية تتراوح بين خمسة ملايين دينار أردني وثمانية ملايين فقط. ولا يشكل هذا الحجم نسبة تذكر من القيمة السوقية الإجمالية لأسهم الشركات المدرجة في السوق، وكذلك من حجم الودائع المصرفية. وينطبق ذلك، على أسواق كثيرة في المنطقة التي تراجعت سيولتها بنسبة كبيرة، من دون أن نغفل أن ارتفاع سيولة أي سوق يعزز حجم الطلب عليها.
وتمثّل السيولة أيضاً المحرك الرئيسي للاقتصاد الكلي وللأسواق المالية. لذا، بادرت حكومات كثيرة إلى ضخ سيولة إضافية في شرايين الاقتصاد للتغلب على الركود، إذ يساهم ارتفاع قيمة السيولة في أي سوق في تعميقها، وفي تسهيل تنفيذ صفقات كبيرة فيها. وأثبتت الدراسات وجود علاقة قوية بين سيولة أسواق الأسهم، وتلك التي في المصارف والنمو الاقتصادي. ولا يُغفل أن الأسواق المالية التي تفتقر إلى العمق، يُطلق عليها «الأسواق الضحلة»، بسبب العدد المحدود من أوامر البيع والشراء اليومية.
ويأخذ الاستثمار المؤسسي المحلي والأجنبي في الاعتبار عند توظيف بعض السيولة، اختيار الأسواق التي تتميز بارتفاع معدل دوران الأسهم المدرجة فيها. والتراجع الكبير في سيولة سوق عمّان المالية ولسنوات، أثر سلباً في نشاط سوق الإصدار الأولي (طرح أسهم شركات جديدة) أو زيادة رؤوس أموال شركات قائمة، ما انعكس سلباً على توظيف أموال المدخرين، وعلى تعزيز النشاط الاقتصادي ونمو الناتج المحلي الإجمالي.
والتدني الكبير في سيولة سوق عمّان المالية، أفضى أيضاً إلى سيطرة سيولة المضاربين على حركة السوق، ما رفع المخاطرة وقلّص الكفاءة، نتيجة عدم التفات المضاربين إلى القيمة العادلة لأسهم الشركات المدرجة ومؤشرات أدائها، مع الأخذ في الاعتبار أن سيطرة سيولة المضاربين، أبعدت شريحة كبيرة من المستثمرين عن السوق، خوفاً من تعرضهم للخسائر.
وشكلت الحكومات الأردنية المتعاقبة، عدداً من اللجان بهدف التعرف إلى واقع السوق ومشكلاتها ورفع سيولته، لتصبح قادرة على القيام بدورها كمصدر رئيس لتمويل رؤوس أموال الشركات، مع مراجعة تعليمات البنك المركزي حول شروط تمويل المستثمرين بالأسهم. وضمّت اللجان التي استُعين بها لتحقيق هذه الأهداف، خبراء ومسؤولين من البنك المركزي وهيئة الأوراق المالية الأردنية، وخبراء في الأسواق المالية. لك لم نلحظ أي تطورات أو توصيات أصدرت من هذه اللجان.
وطلب رؤساء وزراء أردنيون مخاطبة البنك المركزي لتبيان الرأي حول اقتراح توفير السيولة للسوق، من خلال حض البنوك على تخفيف القيود عند منح التسهيلات للاستثمار في الأوراق المالية، وخفض تكاليف التمويل، وزيادة نسبة المساهمات المسموح بها للبنوك لاستثماراتها في الأوراق المالية. ولا يُغفل أيضاً منح ميزات ضريبية للمتعاملين بالأوراق المالية ولصناديق الاستثمار المشترك، لأن القانون الحالي لا يمنح ميزات ضريبية للمستثمرين المؤسساتين والصناديق الاستثمارية المتعاملين في الأوراق المالية، بل يمنحها فقط للمستثمرين الأفراد، ما يحد من تنافسية سوق عمّان المالية مع أخرى، وأهمية الإسراع في إعادة هيكلة السوق.
واستبشر المستثمرون خيراً قبل سنتين، عندما توافرت معلومات عن نية البنوك الأردنية وبالتنسيق مع مؤسسات استثمارية ومالية لتأسيس صندوق برأسمال 100 مليون دينار، لاستثمار هذا المبلغ في السوق. واعتبرت هذه الخطوة إيجابية، لدورها الإيجابي في تعزيز الثقة في السوق، وازدياد قيمة تداولاتها وسيولتها. لكن هذه المبادرة لم تبصر النور، في ظل اعتبار الاستثمار في السوق من بنوك كثيرة يحمل أخطاراً.
وقبل أيام، عقدت ندوة حوارية نظمها ملتقى طلال أبو غزاله بعنوان السياسات والوسائل المطلوبة، لإنعاش سوق عمّان المالية، إذ أشار رئيس مجلس إدارة بورصة عمان، إلى أن البورصة «تعيش في سبات عميق وتجب إعادة الحياة إليها». بينما أشار مراقب عام الشركات الأردني، إلى أن السوق المالية هي من أبرز مؤشرات الاقتصاد، بالتالي لا بد من وضع الخطوات اللازمة لإنعاشه.
ولفت رئيس هيئة الأوراق المالية الأردني، إلى أهم العوامل التي أثرت سلباً على أداء السوق، ومنها عدم وجود قواعد حوكمة إلزامية للشركات، وعدم توافر أدوات استثمارية جديدة، والتأخر بإصدار قانوني الشركات والإعسار، فضلاً عن توجيه الإصدارات الحكومية من السندات والصكوك للبنوك، وليس للأفراد.
نقلا عن الحياة