قبل ما يقارب ٥ سنوات، كتبت مقالاً عن المراحل التي سيمر فيها سوق العمل السعودي، وفي هذا المقال سأكتب باختصار عن المرحلة التي وصلنا لها وعن المراحل القادمة التي أتوقعها كتحليل شخصي للسوق، وقبل ذلك من المهم أن أوضح أن الفترة القادمة ستكون قاسية على العمالة الوافدة غير النظامية، والتي تعمل في الخفاء والسوق السوداء، وستشهد تنافسية أكبر على العمالة الأكثر كفاءة وتأهيلاً وتدريباً.
أولى تلك المراحل اجتزناها وكانت تُعرف بمرحلة «التخبط»، ففيها كنا نفتقد لأرقام دقيقة عن معدلات البطالة وعن تقسيم المنشآت وعن أرقام الأيدي العاملة المحلية والوافدة في سوق العمل سواء كانت نظامية أو غير نظامية، وبمعنى آخر هي مرحلة كان فيها سوق العمل عشوائياً ومهملاً مما أدى لتفاقم العديد من القضايا الاقتصادية المتعلقة بسوق العمل.
بعد ذلك دخلنا في المرحلة الثانية والتي تُعرف بمرحلة «التغيير»، وخلال تلك المرحلة شهدنا البدء في إصلاحات عديدة بتطبيق وزارة العمل لبرامج جديدة ابتداء من برنامج نطاقات والبرامج التي تستهدف دعم توفير فرص عمل أكبر للمواطنين، واتضح من خلال تلك المرحلة أننا سنتوجه لتقليل الفجوة بين تكاليف العمالة الوافدة والعمالة المحلية في سوق العمل، وذلك بالتلميح لرفع تكلفة العمالة الوافدة بشكل عام، واستمر مسارها بالانخفاض تدريجيا مع الانتقال للمرحلة التالية.
المرحلة التالية لمرحلة «التغيير» تُعرف بمرحلة «الحيرة»، فبدايتها كان من الصعب الحُكم على طبيعة سوق العمل ونوعيته، ومن ثم بدأت الآثار تظهر على أطراف سوق العمل بشكل مُحير، وشهدت تلك المرحلة فلترة كانت أشبه بالفلترة العشوائية القاسية على المنشآت وعلى أصحاب الأعمال؛ مما امتد أثرها على الأيدي العاملة المحلية والوافدة، بالإضافة للمتعطلين عن العمل، وبتحليلي المتواضع أرى أننا قريبون من نهاية هذه المرحلة، والتي لن ينجح فيها إلا من قام بترتيب بيته الداخلي «للمنشآت».
المرحلة التالية هي المرحلة التي تُعرف بمرحلة «الأساس»، وتلك المرحلة سندخلها في بداية عام ٢٠١٩م، وتعتبر أهم مرحلة من مراحل سوق العمل، ومن خلالها ستتضح الصورة بشكل أكبر بعد الإصلاحات التي سيشهدها السوق، وسيكون خلالها دخول لأيد عاملة محلية (كمياً) وتقليص أعداد العمالة الوافدة ومرافقيهم بشكل كبير، وستكثر فيها الخلافات بين المتسترين والمتستر عليهم، وستستمر ما بين سنتين وثلاث سنوات حتى ندخل لمسار فك ارتباط توظيف الأيدي العاملة المحلية باستقدام العمالة الوافدة والتي لا يمكن أن نستغنى عن وجودهم بشكل كامل خاصة في الوظائف المتدنية.
وأخيرا، سندخل في المرحلة الأخيرة، والتي تُعرف بمرحلة «الانفتاح»، والتي من المتوقع أن تبدأ بعد نهاية برنامج التوازن المالي، وهي مرحلة ستشهد نموا ملحوظا في المشاريع داخل المملكة من خلال دخول فعلي لاستثمارات محلية وأجنبية متنوعة، بالإضافة للقضاء على ما يسمى بظاهرة التستر، وستتغير فيها طبيعة سوق العمل بعد فك ارتباط توظيف الأيدي العاملة المحلية باستقدام العمالة الوافدة، وستشهد تلك الفترة «تزايدا» لأعداد العمالة المستقدمة سواء كان ذلك في الوظائف المتدنية أو المهنية، وستكون طبيعة العمالة الوافدة فيها «منتجة ومستهلكة داخليا» بمعنى آخر «مساهمة في تصدير المنتجات وتصرف أغلب دخلها داخليا بدلاً من تحويله خارجيا»، ومن خلالها سينتعش سوق العمل ويبدأ بالتعافي وتوسيع القاعدة الوظيفية فيه خاصة للوظائف «التطويرية» مما سيسهل توظيف أبناء الوطن.
ختاما.. التراكم المعرفي في سوق العمل سيشهد ارتفاعا كبيرا بعد نهاية برنامج التوازن المالي، وفرص التوظيف للسعوديين ستكون أكبر «كميا ونوعيا» بعد هذه الفترة بغض النظر عن تزايد العمالة الوافدة المستقدمة والتي ستكون مفلترة نوعيا، والسبب الرئيسي هو التحول الاقتصادي الذي ستشهده المملكة خلال تلك الفترة.
سندخل في المرحلة الأخيرة والتي تُعرف بمرحلة «الانفتاح»، والتي من المتوقع أن تبدأ بعد نهاية برنامج التوازن المالي، وهي مرحلة ستشهد نموا ملحوظا في المشاريع داخل المملكة.
نقلا عن اليوم
أعتقد أن المقال متكامل ويصف الواقع ويستنتج مستقبل قريب متوقع .... إعتراضي الوحيد كان على (وستكون طبيعة العمالة الوافدة فيها «منتجة ومستهلكة داخليا») فالغرب لديه مثل هذا النوع من العمالة الوافدة لوجود نظام التجنيس المتساهل جدا وبالتالي فإن العمالة الوافدة تنفق معظم دخلها داخليا لإنها لا تنوي المغادرة وستكون من المواطنين مع الوقت .... وهو نظام غير متوقع تبنيه سعوديا قريبا وبالتالي يستحيل ان يوجد هذا النوع مع العمالة الوافدة والتي تتغرب إما بحثا عن وطن جديد ( تجنيس ) أو بحثا عن طريقا لتجميل واقعها في وطنها الامن ( إدخار وتحويل للوطن الام ) أما أن تجد شخص يغترب وينفق كل امواله في الغربة وهو يعلم أنه عائد لا محالة لوطنه وبدون إدخار شيء فهذا مستحيل