ظهرت على مدى نصف قرن خطط خمسية متتالية تهدف إلى "تنويع مصادر الدخل". أما ما جلبته "رؤية السعودية 2030" فهو أمر كان مفقودا، فقد حددت خط نهاية finish line زمنيا لتحقيق "التنوع الاقتصادي"، بما يفصح عن مرتكز جوهري هو الإدراك التام أن الخطط لا تتحقق من تلقاء ذاتها، ولذا تبع الإعلان عن الرؤية إطلاق برامج لتحقيق الرؤية، أي لجعل "الرؤية السعودية 2030" حقيقة ملموسة على أرض الواقع، وذلك من خلال إنجاز مجموعة أهداف كمية قابلة للقياس.
ومن حيث أهداف الرؤية، فقد راق لي ما قاله ويلبر روس، وزير التجارة الأمريكي، المجرب والمحنك، في نيويورك في الجلسة الافتتاحية للقمة السعودية - الأمريكية للتنفيذيين، التي عقدت قبل أسابيع قليلة ضمن الفعاليات المتزامنة مع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن "رؤية السعودية 2030 " وما سيجلبه التحول للاقتصاد السعودي يحتمل أن يكون له أثر في المملكة يتجاوز أثر اكتشاف النفط قبل 80 عاما. وأضاف: "لدى السعوديين فرصة كبيرة للنجاح".
وراق لي كذلك ما أوضحه الوزير روس أن ما يشجعه أكثر من الخطط الكبيرة هو نظام تفصيلي للمؤشرات لقياس الإنجاز، عندما قال، "ذلك المستوى من الدقة الذي يسعون من خلاله لإدارة التحول الهائل في وطنهم". وبالفعل، فليس محل جدل أن العبرة بالإنجاز، وليس من شك أن هذا كان هو الهاجس منذ إطلاق وثيقة "الرؤية 2030"، بل حتى قبل ذلك عندما استبق إطلاقها إطلاق برنامج التحول الوطني. والآن، فقد أصبح واضحا أن منظومة برامج تحقيق الرؤية هي بمنزلة "المحركات" التي تحول الرؤية من "تطلع" إلى "حقيقة".
ولبيان الآلية، لنأخذ مثلا برنامج تحقيق التوازن المالي، وهو برنامج يستهدف تحقيق الخزانة العامة للدولة للتوازن بين نفقات الدولة وإيراداتها بحلول عام 2020 ثم عدل مداه إلى 2030. وعند التمعن في وثيقة برنامج التوازن المالي، نجد أنها وضعت هيكلة للسياسة المالية تقوم على تنويع إيرادات الخزانة العامة، وقد بدا هذا الأمر جليا في هيكلة إيرادات ميزانية العام المالي الحالي 2018 لتصبح 50 في المائة إيرادات نفطية، 30 في المائة إيرادات غير نفطية، و20 في المائة إيرادات من بيع أدوات دين. والأمر ذو الصلة في هذا السياق، أن وزارة المالية، وهي الجهة القائمة على تنفيذ هذا البرنامج، تعلن بوتيرة منتظمة "ربع سنوية" من خلال معايير أداء محددة، عما تحقق لإنجاز البرنامج.
وهكذا، فمهم أن تحذو جميع برامج تحقيق الرؤية ذات النهج، بالإعلان عن نتائج الإنجاز بوتيرة ربع سنوية، ومن الملائم كذلك أن يعلن مكتب تحقيق الرؤية عما أنجزته البرامج مجتمعة بوتيرة ربع سنوية، بمعنى أن تصدر وثيقة مجمعة لما أنجزته برامج تحقيق الرؤية جميعا، تضاهي المتحقق بالمخطط له، ليبين أين نحن من تحقيق المستهدف عند "خط النهاية" في عام 2030.
نقلا عن الاقتصادية