المعاملة التبادلية المالية، قسمان رئيسيان. الأول: قسم البيع وما يدخل في معناه من مقايضة وإيجارة. والقسم الثاني، قسم القرض وما يدخل في معناه من وديعة أو عارية.
فالعقل البشري، باي لغة وبأي دين، يفرق بين هذين القسمين، بالفطرة دون حاجة تعليم، ما لم يكن العقل مضروبا، فحرف الفطرة.
فتعريف القرض لا يتوقف على معنى الكلمة وصورة المعاملة، بل لا بد ان يقترن بحده الفاصل الذي يُخرجه من قسم البيع.
فالقرض كالبيع، كلاهما معاملة تبادلية مالية. وكلاهما يقع في كل مال، سواء أكان المال نقدا أو سلعة أو منفعة مالية، كسكنى وخدمة. وكلاهما لا يشترط لحده، اتحاد جنس المال. وكلاهما لا يشترط الربح أو تحصيل منفعة مالية.
فقد يكون قرضا وقد يكون بيعا، إعطاؤك أخاك شقتك في أمريكا، على أن يسدد ثمنها بعد تخرجه وحصوله على عمل، بمثل قيمة الشقة حين سكناه لها، لا حين سداده. فهذه معاملة تبادلية مالية، فيها إعطاء مال مقابل أخذ عوض عنه. والأموال الُمتبادل فيها مختلفة الأجناس تماما. فأنت قد أعطيته منفعة سكنى الشقة وعاوضته مقابلها بإيجارها مؤجلا. فهل تعتبر المعاملة من باب القرض أو من باب البيع؟ ففي مثل هذا المثال ومئات الأمثلة المشابهة، تفشل كل تعاريف القرض والبيع السابقة، لأنها لم تدخل الحد ضمن التعريف.
فتأجيل قيمة الشقة، بلا أخذ قيمة التأجيل، ليس هو الحد الفاصل بين كون معاملة سكنى الشقة، في حكم القرض أو البيع.
فقد لا يكون للطالب سجل ائتماني، فلم يلق من يؤجره أو يبيعه في المدينة الجامعية المزدحمة. فسألك كشارٍ أن يشتري الشقة بثمنها وزيادة، فكنت أنت كريما، فاشترطت عليه أن لا تأخذ قرشا حتى يعود متفوقا فتنازلت عن قيمة الزمن، وعن قيمة فرصة استغلال حاجته، كرما وشهامة. فهنا العملية تدخل تحت قسم البيع. وما تنازلت عنه يدخل تحت قسم الهدية لا قسم الصدقة. فالصدقة لا تحل إلا لمستحقها، ولا يقبلها قادر، إلا وهو ساقط المروءة. ولا يجوز التصدق عليه، إذا عُرف حاله، ولا تُقبل من المُتصدق.
أما لو أن مشكلة الطالب كانت في الكلفة، فتودد إليك الطالب في سؤال الشقة وطلب تأخير الثمن، وشكى حاله في اضطراره للسكنى في نزل أعدته الجامعة للفقراء بسعر رمزي، فعطفت أنت عليه فقبلت، فحد القرض قد ثبت بدلالة ذل الطالب وخضوعه في المسألة، وثبت كذلك مقياس صحة دلالة الحال. وذلك بلجوء الطالب للسؤال من الجامعة إيواءه. فهنا إما أن تعطيه بإحسان أو ترده بجميل. فإن شرطت عليه زيادة أو نفعا، أثمت أنت ولم يأثم هو. فهذا ربا القرض الذي لم يذكر الله عقابا إلا للمقرض، وعفا سبحانه عن المُستقرض. بخلاف ربا البيع الذي شمل نبينا عليه السلام، الرابي والمستربي والوسيط والكاتب بالعقاب.
فالقرض صدقة، والحد الفاصل الذي يفصل القرض عن البيع هو دلالة الحال. ومقياس الحد هو: أن المستقرض قد لجأ للقرض تعففا عن سؤال الصدقة. ذلك لان القرض عقد معاوضة خاسر ماليا حتما للمُقرض، بينما هو عقد رابح ماليا حتما للمُستقرض.
وقد سمى سبحانه الصدقة قرضا، وسمى نبينا القرض صدقة. فالقرض صدقة، والصدقة قرض. قال نعالى:{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}. وقال نبينا عليه الصلاة السلام «كل قرض صدقة» وقال «ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة»
والصدقة إن سألها غني أثم وسقطت مروءته، ولم تُقبل في الطيبات. فإن كانت من أجل تقديم خدمة أصبحت رشوة. وإن أُعطيت لمستحقها، فتعلق بها أي نفع أفسدها، وقلبها حراما. فابتسامتك في وجه أخيك صدقة، فإن كانت لمصلحة أفسدت هذه النية أجر صدقة الابتسامة. فالقرض صدقة. فإن لحق به نفعا أصبح ربا محرما بوعيد عظيم.
نقلا عن الجزيرة
مثل العمل الصالح إذا لحقه أو دخل فيه نفع دنيوي كان شركا لا يغفره الله لمقترفه . بمعنى أن هناك حد فاصل . نعوذ بالله من أن نشرك به سبحانه . شكرا لك دكتور على هذا الإيضاح و على هذا التبسيط .