لسنتين ماضيتين ألفنا الحديث عن "الرؤية السعودية 2030"، وأصبح متداولا الحديث عن أهدافها الاستراتيجية الـ96، وتابعنا كيف أن الوثائق التي تفصح عن تفاصيل برامج تحقيق "الرؤية" الـ12 تنشر البرنامج تلو الآخر تباعا؛ فأعلنت تفاصيل برنامج التخصيص الأسبوع الماضي، وقريبا تعلن تفاصيل برامج إضافية منها برنامج تطوير القطاع المالي وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
وهناك ما يبرر القول إن تحقيق "الرؤية" هو هدف متحرك باعتبار أن المتغيرات محليا وفي العالم من حولنا متعددة ومتداخلة، وهذا يعني أن ما كنا نجزم به بالأمس، قد ندخل عليه تعديلات اليوم، ليس لسبب إلا لزيادة خبرتنا من جهة وتوافر مزيد من البيانات والمعلومات والمستجدات من جهة أخرى، وهذا يبرر القول إننا ــ كمجتمع وكحكومة ــ نمر عبر منحنى تعلم فيما يتصل بتحقيق "الرؤية". لنأخذ مثالا: أحد البرامج الارتكازية لتحقيق "الرؤية" هو برنامج "التوازن المالي"، ويسعى لتحقيق هدف استراتيجي لـ"الرؤية" وهو "تعزيز الفاعلية الحكومية"، ويرتكز هذا البرنامج على التخطيط المالي ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتنويع الإيرادات الحكومية من الأصول المملوكة للدولة ومن الرسوم والخدمات ومن إنتاج النفط. وبالتوازي مع برنامج التوازن المالي، هناك هدف آخر وهو "تحسين أداء الجهاز الحكومي".
السؤال: ما الذي يأتي أولا: التوازن المالي أم تحسين أداء الجهاز الحكومي؟ أقول إن الأهمية متساوية، بمعنى أن هذين الهدفين يتحققان بالتوازي وليس بالتوالي، فكلاهما مهم. أما السؤال الجدلي، الذي كان على عديد من الدول قبلنا الإجابة عنه فهو يتعلق بأهداف متعارضة، أو أهداف لا سبيل لتحقيقها بالتوازي؛ فتحقق أحدها شرط سابق للبدء في تنفيذ هدف آخر. وهذا ينطبق على هدفين استراتيجيين: تنمية وتنويع الاقتصاد مقابل تعزيز فاعلية الحكومة، ولا سيما عند الدخول في التفاصيل، فتنمية وتنويع الاقتصاد ترتبط بالنمو economic growth في حين أن التوازن المالي يرتبط بإعادة الهيكلة واللملمة المالية fiscal consolidation.
يبدو واضحا أن برنامج تحقيق التوازن المالي ماض في مساره، كما هو ملاحظ. السؤال الجدلي الآخر: هل نفسح المجال للهيكلة المالية أن تتقدم على تحقيق النمو الاقتصادي أم العكس؟ إن ثمة منهجا لتحقيق التوازن المالي دون التأثير سلبا في النمو الاقتصادي؟ تتعدد الإجابات، وقد سبق أن كتبت وغيري في هذا الأمر مطولا، لكن تحقيق "الرؤية" لا يحتمل إمساك العصا من المنتصف، بمعنى أن تحقيق النمو الاقتصادي هدف أعلى من تحقيق التوازن المالي من حيث إن "تحقيق نمو اقتصادي متواصل ومتصاعد" هدف إطاري تقع في جعبته جملة من الأهداف، منها هدف تحقيق التوازن المالي، بمعنى أنه في حال التعارض بينهما، يتنحى "التوازن المالي" لمصلحة "النمو الاقتصادي".
نقلا عن الاقتصادية
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع