شهد ويشهد الاقتصاد الوطني حراكا هائلا خلال العامين الأخيرين، تم خلالها تدشين عديد من الأنظمة وإجراءات الإصلاح الاقتصادي الواسعة النطاق، إضافة إلى مشروعات تنموية عملاقة بمئات المليارات من الريالات. كل ذلك جرى ضمن سياق البرامج التنفيذية لـ "رؤية المملكة 2030"، في الوقت الذي تزامنت مع انخفاض حاد في أسعار النفط منذ منتصف 2014، بدأت تتعافى تدريجيا مع مطلع أيلول (سبتمبر) 2017، وهو التراجع الذي خلف وراءه مزيدا من التحديات التنموية الجسيمة، أطلت بوقعها الشديد مع بدء تدشين البرامج العملاقة للتحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، استطاع الاقتصاد امتصاص أغلب آثارها والتكيف معها، والآن تتقدم خطواته نحو تجاوزها تدريجيا، المتوقع اكتمال نجاحاتها بعد نهاية 2020، تمهيدا لاستمراره بنجاح منشود في تجاوز بقية تحدياته التنموية الكأداء بعد ذلك التاريخ، والوقوف مجددا على أرضية أكثر صلابة، تتمتع بمزيد من تنوع ركائز الإنتاج المحلية، وانفتاح أكبر على مستوى اقتناص فرص الاستثمار المحلية، التي ستسهم مجتمعة في زيادة معدل نمو الاقتصاد، وإيجاد مزيد من فرص العمل أمام جموع الباحثين والباحثات عنها.
لم يكن ممكنا على الإطلاق للاقتصاد الوطني النجاح في تحقيق ما أنجزه حتى تاريخه، بحال استمرت التشوهات الهيكلية التي عانى منها طوال عدة عقود مضت، بدءا من تفاقم أشكال الاحتكار، وتحديدا احتكار الأراضي البيضاء والمضاربات المحمومة عليها، مرورا بترهل أداء الأجهزة العامة، وغياب الرقابة الصارمة عليها، وخضوع بيئة القطاع الخاص لعديد من التشوهات، كسيطرة العمالة الوافدة عليها، وتفاقم أشكال التستر التجاري في عموم أروقته، إضافة إلى اعتماده المفرط على الدعم والإنفاق الحكوميين، تلك التشوهات التي أوجدت أمامنا قطاعا غير قادر في أغلبه على الوفاء بمتطلبات شراكته الحقيقية للنهوض بمقدرات الاقتصاد الوطني، وانتهاء بانتشار كثير من أشكال الفساد الإداري والمالي في مختلف أروقة الاقتصاد. كان لا بد من معالجة كل تلك التشوهات وغيرها من أشكال التأخر التنموي والاقتصادي والاجتماعي، والخروج باقتصاد آخر مختلف تماما عما اعتدنا عليه طوال خمسة عقود مضت، وهذا الأمر يمثل وحده سلة عملاقة من التحديات الجسمية الثقيلة الوزن.
تلك الأوضاع العتيقة السابقة للاقتصاد، التي كما أنها أنتجت إيجابيات عديدة تنمويا واقتصاديا واجتماعيا، إلا أنها أيضا أفرزت تشوهات بالغة الخطورة، أظهرت مؤشرات الاقتصاد السابقة تضاؤل الإيجابيات مقابل تصاعد التشوهات عقدا بعد عقد، ما اقتضى بدوره ضرورة قصوى لإجراء تغييرات وإصلاحات جذرية هيكلية للاقتصاد، تستهدف وضعه على طريق آخر أكثر أمانا واستقرارا، ستتصاعد نتائجه الإيجابية على الاقتصاد والمجتمع عاما بعد عام، وصولا إلى نهاية مرحلة التحولات بعد عقد من الزمن من تاريخ اليوم. إنه طريق بالغ الأهمية للتحول والإصلاح وإن حمل ذلك في بدايته بعض المشاق على الجميع، إلا أنه سيكون أخف وطأة بدرجات كثيرة من وطأة النتائج المريرة لنهاية الطريق القديم، المعتمد بدرجة كبيرة جدا على دخل النفط فقط! حينما تفصح شركة وطنية بحجم "سابك" في تقريرها الأخير للاستدامة 2017، عن مساهمتها في تنمية الموارد البشرية في المملكة منذ تأسيسها بنحو 149 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، فلا شك أنه سيتملك كثيرا من الندم على ما فات! إذ كان ممكنا إنجاز أكبر من ذلك بكثير لا يمكن مقارنته مع ما تحقق، رغم أنه يعد أمرا ومكسبا لا يستهان به، يحسب، ولا شك، لكيان وطني مثل سابك، وغيرها من الشركات الوطنية العملاقة.
إنما التساؤل الأهم حول ما تم تخزينه بتريليونات الريالات في خزائن الأراضي البيضاء، التي لن يتم السؤال عما أسهمت به في نمو الاقتصاد الوطني، أو أسهمت به في إيجاد فرص عمل، كونها لم تقدم شروى نقير من بعيد أو قريب في هذا الخصوص، بل على العكس من كل ذلك، إذ أسهمت برفع تكلفة الإنتاج محليا، وتفويت كثير من الفرص التنموية والاقتصادية على البلاد والعباد، والتسبب في صناعة أزمة الإسكان وغيرها من الأزمات التنموية ذات الارتباط المباشر وغير المباشر بعنصر الأرض، كعنصر إنتاجي لا مخزن للثروة ومنطقة محظورة للمضاربات المحمومة، وافتعال المزايدات غير المبررة على الأسعار، وما ترتب عليه من آثار وخيمة على العموم.
يأتي التركيز هنا على هذا الجانب، كونه أحد أكبر التشوهات الواجبة المحاربة والمعالجة بأقصى ما لدينا من إمكانات وقدرات وموارد متاحة، حيث لا تزال تلك المعضلة التنموية تشكل ورما كبيرا في أحشاء الاقتصاد والمجتمع، ولا تزال تعيق حركة البلاد والعباد بشكل يهدد صراحة طموحات اقتصادنا نحو المستقبل، ما يشير بوضوح إلى تأخر معالجة والتصدي لتلك المعضلة الكأداء، ورغم ما تم بذله حتى تاريخه في هذا الخصوص، إلا إنه كما يبدو من مؤشرات أداء أشار إليها صراحة مجلس الشورى مؤخرا خلال نقاشاته مع وزارة الإسكان، لا تزال أقل بكثير مما كان واجبا بذله، تجاه أحد أكبر التحديات المعطلة لتقدم إصلاحات الاقتصاد الوطني، التي تصل بقوة تشوهاتها إلى إمكانية إيقافها لكثير من المنجزات المأمول تحققها لـ "رؤية المملكة 2030"، ولعديد من برامجها التنفيذية. إننا في سباق مع الزمن نحو الوصول إلى أهدافنا المشروعة تنمويا واقتصاديا واجتماعيا، ولا يمكن السماح لأي عقبة مهما كانت، أن تقف في طريقنا كمعطل يعيق هذا التقدم بأي شكل من الأشكال، سواء كانت معضلة استمرار تراكم واحتباس الثروات في الأراضي البيضاء، وما نتج وتنتج عنه من آثار سلبية بالغة الضرر، أو غيرها من المعضلات المحتملة في أي جانب من جوانب الاقتصاد والمجتمع، وهو ما يجب أن تدركه على قدر أكبر من المسؤولية أي الأجهزة الحكومية ذات العلاقة المباشرة بتلك المعضلات أو التحديات التنموية. والله ولي التوفيق.
فعلاً أرتفاع العقار أبو المشكلات ، بسببه ارتفاع التكلفة للإنتاج وأرتفاع التضخم وانخفضت القوة الشرائية ، بل وزاد أرتفاع العقار من نقص الفرص الإستثمارية التنموية، وضعف معدلات دوران السيولة ، مشكلة المشكلات أرتفاع العقارات ،