لا خلاف على أهمية التحفيز في عمليات مكافحة فساد السوق، والغش التجاري، ومنها التحفيز المالي والمعنوي، وأهمية ما تقوم به وزارة التجارة من جهود لكشف الفاسدين المتلاعبين بصحة البشر، وسلامة البيئة. بداية، يجب التشديد على أن كل جهد تقوم به الجهات الرقابية من أجل مكافحة الغش التجاري هو مقدَّر، ويسهم بشكل مباشر في تقليص مساحة الفساد التي خنقت المواطنين، وتسببت في انتشار الأمراض المستعصية، منها السرطان والفشل الكلوي، كنتيجة مباشرة لاستخدام المواد الغذائية المسرطنة، والمتسببة في الأمراض المزمنة الأخرى.
ويجب التشديد أيضًا على أن فساد السوق ليس بالأمر الطارئ الذي يكسب من يواجهه الثناء الكامل، بمعزل عن النقد والمحاسبة عن فترات الحصانة السابقة. فما يحدث في السوق هو نتاج عقود من الإهمال، وربما التواطؤ من بعض الفاسدين الذين خانوا أماناتهم الموكلة إليهم، أو تقاعسوا عن أدائها.. وفي الحالتين هم مسؤولون أمام الله ثم ولاة الأمر الذين منحوهم مسؤولية حماية السوق من الفساد، وصحة البشر، وسلامة البيئة من الأخطار. تنوعت مخالفات السوق الخطرة بين المنتجات المقلدة والمغشوشة المستوردة من الخارج، والمنتجات والمواد الغذائية المقلدة محليًّا، والأدوية المغشوشة، والمستوصفات التي تعمل بمخالفات تقتضي إغلاقها ومحاكمة المخالفين فيها، وربما سحب رخص بعض العاملين بها. لا أود أن أستحضر الأمثلة؛ كي لا أؤطر المشكلة، بل سأدعها مفتوحة لتضم جميع مخالفات القطاعات التجارية والخدمية والأجهزة الرقابية المسؤولة عنها.
وسأوجِّه أسئلة مباشرة لكل من احتفى بإنجازات الضبط المحدودة مقارنة بالمخالفات المتشعبة والمسيطرة على السوق: من هم المتسببون في وجود هذه المخالفات؟ ومن هم المتسببون في تجذرها وانتشارها بشكل بات يهدد الجميع، ويحول دون تفعيل الدور الرقابي وتعزيز النزاهة؟ وهل ما تم ضبطه وتصويره ثم نشره عينه (مجهرية) لسرطان المخالفات الذي ينخر جسد السوق، أم المخالفات كلها؛ ما يجعلنا نفرح باستئصالها وتجفيف منابعها؟! ولماذا لا نرى إدانة للمقصرين من المراقبين أو الإدارات الخدمية المسؤولة عن التراخيص والرقابة الميدانية؟ أسأل دون أن أجيب، غير أن المواطن البسيط يرجو أن يحتفي بمنجز القضاء الكلي على فساد السوق، ومحاسبة المقصرين الذين تسببوا في انتشار المشكلة. باختصار شديد: التغطيات الإعلامية والاحتفائية بضبطيات بعض الجهات الرقابية لا تعدو أن تكون شهادة إدانة لعقود من تقصير وتهاون تلك الجهات!
قد لا يعلم الكثير أن غالبية الضبطيات كان مصدرها مواطنين متضررين، وليس كفاءة المراقبين والمسؤولين عن إصدار التراخيص ومتابعتها ومراقبة الأسواق؛ ما يجعلنا أكثر تحفظًا على التغطيات الإعلامية التي تضخِّم كفاءة الجهات الرقابية، بمعزل عن مصدر المعلومة التي قادت لضبط تلك المواقع. دور المواطن والمقيم في البلاغات المهمة دورٌ محوري، ويقود إلى شراكة حقيقية بين الجهات الرقابية والمجتمع، غير أن تغييب دورهم لمصلحة الجهات الرقابية غير مقبول البتة، ولا يساعد على استدامته.
تجفيف فساد السوق يحتاج إلى جهود مضنية ومشتركة من الجهات الرقابية، وفي مقدمها: التجارة، الصحة، الجمارك وهيئة الغذاء والدواء.. جهود تعالج أخطاء الماضي، وتوقف المخالفات والتجاوزات المرتكبة من الداخل والخارج، وتفعِّل الدور الرقابي وفق المنظومة القانونية التي تعتبر الرادع الأول للمخالفين.
من الواجب أن تتحمل كل جهة مسؤولياتها الرسمية، وأن تعمل على تجفيف المستنقعات الآسنة حماية لصحة البشر وسلامة البيئة، وصيانة لأموال المواطنين، ودعمًا للاقتصاد الذي لن ينمو ويتبارك بوجود الغش والمخالفات المنظمة.
نقلا عن الجزيرة
اشكرك ، فعلاً الفساد الناتج من عدم طبيق التعاملات الإلكترونية بشكل كامل و بسبب ضعف الرقابة والتواطؤ وبسبب عدم وجود شفافية وإفصاح كامل وفق المعايير الدولية ، كلها عوامل تغذية وتنمية الفساد