بهذه العبارة "نؤمن نحن أن السعودية حتى يومنا هذا لم تستغل إلا 10 في المائة من قدرتها، ولدينا 90 في المائة متبقية لنحققها، وعليه فإن الخطط والرؤية تتمحور حول الـ 90 في المائة المفقودة"، بدأ ولي العهد حديثه عن المحور المتعلق بالاقتصاد الوطني، ضمن الحوار المطول على مجلة "التايم" . ليتابع حديثه الشيق حول كيفية تحقيق هذا الهدف الكبير بأكبر قدر ممكن وأسرع وقت ممكن؟ مبينا الإجابة "نحن نرسم خطتنا بناء على مكامن القوة لدينا، فلا نريد أن نقلد غيرنا... فنحن نرسم اقتصادنا بناء على مكامن القوة لدينا: تكرير النفط والمواد والحركة والنقل والمعادن والغاز، فلدينا العديد من اكتشافات الغاز في البحر الأحمر، ولدينا محتوى محلي وميزان مدفوعات، وننفق 230 مليار دولار سنويا خارج السعودية، وإن لم نفعل شيئا؛ فإن هذا الرقم سيرتفع في عام 2030 ليصل إلى ما بين 300 و400 مليار دولار ستصرف خارج السعودية".
ثم يتابع بمزيد من التفصيل حول التوجه الخاص بتلك الثروات المهدرة أن "الخطة إنفاق نصف تلك الثروات في السعودية، بالاعتماد على برامج عديدة لتحقيق ذلك، فلدينا الخصخصة، ويأتي على قمة الهرم طرح "أرامكو"، وضخ هذه المبالغ وتقديم الأصول الحكومية وغيرها من الأصول والاحتياطيات النقدية الأخرى في صندوق الاستثمارات العامة، ودفعه ليصبح أكبر صندوق على مستوى العالم، بقيمة تتجاوز تريليوني دولار .. وسنستثمر نصف هذه الأموال لتمكين السعودية، والـ 50 في المائة المتبقية سنستثمرها في الخارج لنضمن أن نكون جزءا من القطاعات الناشئة في جميع أنحاء العالم". ماذا تعني هذه الحقائق والخطط والبرامج المشار إليها أعلاه في الحديث الاقتصادي لولي العهد؟ لكن قبل وضع أبرز معالم الإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن نعرف أهم النتائج الراهنة التي تحققت للاقتصاد الوطني، نتيجة استغلاله 10 في المائة فقط من القدرات والموارد. باختصار شديد؛ أفضت تلك الحقيقة إلى تشكيل اقتصاد عملاق أدخله قائمة أكبر 20 اقتصادا حول العالم، بلغ حجمه بنهاية 2017 نحو 2.6 تريليون ريال (686 مليار دولار أمريكي)، بحجم صادرات بلغت للعام نفسه 829 مليار ريال (207 مليارات ريال صادرات غير نفطية)، وواردات بلغ 469 مليار ريال، يحتضن هذا الاقتصاد سوقا مالية تجاوزت قيمتها الرأسمالية 1.7 تريليون ريال.
لكن الاقتصاد الوطني في الوقت ذاته، شهد تحديات تنموية جسيمة بدءا من ارتفاع معدل البطالة بين مواطنيه، الذي بلغت وفقا للهيئة العامة للإحصاء 12.8 في المائة (31.2 في المائة لشريحة الشباب 20-29 عاما، ونحو 17.2 في المائة لدى حملة الشهادة الجامعية فأعلى)، مرورا بانخفاض مساهمة القطاع الخاص والاقتصاد عموما في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية لما دون الـ 12 في المائة طوال خمسة عقود تنموية مضت، وتجذر عديد من الأزمات التنموية الأخرى كأزمة الإسكان، والاعتماد المفرط على العمالة الوافدة غير الماهرة، وتفاقم أشكال التستر التجاري، عدا الاعتماد المفرط على الإنفاق الحكومي، والاستهلاك غير الرشيد لموارد الطاقة المحلية، وكثير من التشوهات الهيكلية في جسد الاقتصاد الوطني، التي أصبح لزاما علينا جميعا العمل على التخلص منها بأسرع وقت ممكن، وهو المشروع العملي المنوط بـ "رؤية المملكة 2030" عبر البرامج التنفيذية العديدة التي أقرتها الدولة طوال العامين الماضيين.
الآن أعود إلى أهم معالم الإجابة عن ماذا يعني عزم المملكة على استغلال الـ 90 في المائة المتبقية من القدرات والموارد حتى حلول 2030، إنه الطريق المليء بالحراك الفاعل للنهوض بمقدرات اقتصادنا الوطني، والارتفاع به من مستوياته الراهنة 2.6 تريليون ريال (686 مليار دولار)، وصولا به في نهاية «الرؤية» إلى أعلى من 20.7 تريليون ريال (5.5 تريليون ريال)، أي ثمانية أضعاف حجمه في الوقت الراهن! وهو الأمر الممكن تحقيقه بمشيئة الله، قياسا على ما أوضحه ولي العهد في بقية إجابته حول الملف الاقتصادي المحلي، بالعمل المستمر طوال عمر تنفيذ وتحقيق "الرؤية" على إنفاق نصف الثروات المتاحة للبلاد محليا، وما سيترتب عليه من زيادة التدفقات المالية للاقتصاد الوطني، وضخها في عدد كبير من المشاريع (الفرص المهدرة سابقا)، إضافة إلى اجتذاب مئات المليارات من الاستثمارات الأجنبية، ما سيؤدي إلى تحويل كل تلك الأرصدة المالية العملاقة من مجرد ثروات راكدة، سواء في الخارج كأوراق واستثمارات متدنية العائد، أو في الداخل كاحتكارات للأراضي والأصول أو موظفة في مضاربات عشوائية ضررها أكبر من نفعها.
أؤكد لتتحول تلك الثروات نحو أشكال عديدة وواسعة من الاستثمارات القائمة على الأرض، ممثلة في كثير من الشركات والمنشآت العاملة والمنتجة، التي ستعزز كثيرا قيمها المضافة من النمو الاقتصادي الوطني، وتسهم في تنوع مصادر نمو واستقراره بعيدا عن النفط، وتسهم أيضا في إيجاد ملايين الوظائف المجدية أمام المواطنين والمواطنات، وتحسين مستويات دخلهم ومعيشتهم وجودة حياتهم، وهذا أمر لا يمكن بأي حال من الأحوال، الوقوف على تفاصيله الدقيقة في مقال بهذا الحجم، إنما يمكن التأكيد على أن النتائج المحتملة والمأمولة لهذه «الرؤية» بتوفيق الله ـــ عز وجل ـــ، أنها ستصب في مصلحة البلاد والعباد على حد سواء، وستسهم في منح بلادنا مزيدا من القوة والمتانة الاقتصادية والمالية، بالصورة التي تؤهلنا فعليا للوقوف بين الاقتصادات المنافسة والمنتجة حول العالم على القدر الكافي واللازم، وهو ما لم يكن ليتحقق لو استمر عملنا بالسياسات الاقتصادية السابقة، التي تلاشى مفعولها تدريجيا عبر خمسة عقود زمنية متتالية (الخطط التنموية)، ونواجه في الوقت الراهن عديدا من نتائج عدم قدرتها على الوفاء بكثير من المتطلبات التنموية الراهنة والمستقبلية. تقتضي أهمية تفاصيل ما تقدم الإشارة إليه من توقعات مأمول تحققها للاقتصاد الوطني، العودة إليها من وقت إلى آخر؛ بشيء من الحديث الأوسع المقترن بالأرقام اللازمة، وإيضاح الفرص التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي ستترتب عليها، وهو ما سيحدث بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية