سعدنا جميعا بالاتفاق الذي أبرمَهُ الأسبوع الماضي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد و«سوفت بنك»، أثناء زيارته للولايات المتحدة، وينصُّ ذلك الاتفاق على إنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في المملكة بطاقة 200 جيجاوات، وباستثمارات تصل إلى 200 مليار دولار. وهو مشروع يفوق أكبرَ مشروع عالمي مقامٍ حاليا، بـ100 مرة. وسيُشْرَعُ بتنفيذه بداية العام القادم (2019) - إنْ شاء الله -، على أن ينتهي في (2030).
هذا المشروع هو الأضخم عالميا، على الإطلاق، ويُوفِّرُ بانتهائه نصف الطاقة الإنتاجية العالمية التي تبلغ نحو 400 جيجاوات. وسيستفيد المشروع من المساحات الشاسعة المتاحة بالمملكة، وشمسها التي تظلُّ مشرقةً معظم أيام السنة. وتأتي إقامة هذا المشروع في وقت انخفضت فيه تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية، وتسابقتْ مختلف دول العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة بما في ذلك الطاقة الشمسية.
والمملكة، وإنْ بدأ اهتمامها بالطاقة الشمسية منذ الثمانينات الميلادية، حيث تمَّ إنشاء ما عرف بـ«القرية الشمسية» عام (1980) في منطقة العُيَيْنة، إلَّا أنَّ إقامة تلك القرية كانت تركِّز على إجراء الأبحاث في هذا المجال، أكثر من كونها محطة تمدُّ المملكة بهذا المصدر المتجدد للطاقة. وبعد فترة أخذَ الاهتمام بتلك القرية في التضاؤل حتى غَدَتْ جزءا من تراثنا. وأذكر أننا - في وزارة البترول - كنَّا نأخذ كبار ضيوف المملكة إلى تلك القرية لبيان مدى اهتمام المملكة بالطاقة الشمسية. ويُمكنُ اعتبار إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمتجددة، في أبريل (2010)، البداية الفعلية لاهتمام المملكة الحقيقي بهذه المصادر.
ولم تتحرَّك تلك المدينة بالشكل المطلوب، بالرغم من اختيار أفضل الكفاءات العلمية لإدارتها. فقد تَعَرْقَـلَ تبنِّي مُسَوَّدةِ القواعد التنظيمية التي تحكم العلاقة بين المدينة والقطاع الخاص؛ لِتنازُع جهاتٍ حكومية، حول من الأولى بإدارة هذا الملف. واستمرَّ ذلك فترة طويلة إلى أنِ استقرَّ الأمر مؤخرا في وزارة الطاقة لتصبح هي الجهة المسؤولة عن ذلك الملف، مع بقاء مدينة الملك عبدالله الذراعَ الفنيَّة للتنفيذ.
أمَّا المشروع الجديد للطاقة الشمسية، فيُعَدُّ انتقالةً فعليَّة نحو مرحلة جديدة طال انتظارها؛ إذْ لن يُكتفى فيه بتوفير احتياجاتنا المحلية من توليد الكهرباء وتحلية المياه والسيارات الكهربائية وغير ذلك من الاستخدامات - مع عمله على جعل البيئة السعودية أقل تلوُّثًا من ذي قبل - فقط، بل ستتمكَّن المملكة؛ نتيجة لضخامة طاقة المشروع، من تصدير فائض الإنتاج الكهربائي إلى الدول المجاورة لنصبح بذلك مصدرين للطاقة بشكل عام وليس تصدير النفط فقط. كما يحقق لنا ذلك إيرادات منتظمة تدخل في إطار التنويع الحقيقي للاقتصاد السعودي وفق رؤية (2030).
وفي ذلك الشأن، فليست هنالك ضرورة لإنشاء جهاز بيروقراطيٍّ جديد للتعامل مع هذا المشروع، فلدينا من الأجهزة المتخصصة ما فيه الكفاية، مدعومة بجهات بحثية، - منها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجامعاتنا المحلية، وعلى رأسها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا - تضمن نتائجُ وتطوراتُ أبحاثها أقْلَمَةَ هذا النوع من الطاقة مع البيئة الرملية والصحراوية للمملكة، وكيفية التعامل مع بعض الصعوبات، مثل استخدام الألواح الشمسية خلفية التوصيل التي تتناسب مع الظروف البيئية عالية الحرارة، واستخدام الرمال المحتوية على السِّلِيكا لاستخدامها في تصنيع الألواح الشمسية، من خلال تحويلها إلى سليكون عالي النقاء.
وبدون الدخول في تفاصيل فنية، نذكر هنا أنَّ تكاليف الطاقة الشمسية قد انخفضت بشكل تدريجي خلال العقدين الماضيين بنسبة لا تقلُّ عن (40%)؛ نتيجة للتطورات التقنية المستمرة، والتي ساهمت في منافسة هذا المصدر للعديد من مصادر الطاقة الأخرى.
ولا بد من إحداث نوع من التكامل بين هذا المشروع، وجهات تصنيع محلية - بعد أنْ يتمّ تحديد احتياجاته من ألواح شمسية وغيرها من المعدات المختلفة - لتتولى تلك الجهات تدريجيا تصنيع تلك الاحتياجات محليا كما تنص على ذلك بنود الاتفاق. مع العلم، أنَّ بالإمكان توطين ما لا يقلُّ عن (85%) مِمَّا يحتاج إليه المشروع. ويعتبر التكامل والتوطين مهمَّينِ جدا لآثارهما ونتائجهما الإيجابية على مزيد من تخفيض التكلفة، وعلى مجال تدريب وتشغيل السعوديين.
كما أنَّ هذا المشروع يحمل فرصا وظيفية كبيرة، ستُساهم مع ما تتيحه مشاريع أخرى في تخفيض معدلات البطالة. ولا بدَّ أنْ يتمَّ منذُ اليوم الأول للمشروع البدء في تدريب السعوديين ليتمكّنوا لاحقا من العمل في مختلف مراحله؛ لئلا نحتجَّ فيما بعد، بعدم توفُّر الكفاءات السعودية؛ فنُضطرَّ للاستعانة بالخبرات الأجنبية.
وفي الختام، فإننا أمام تحد كبير ينقل المملكة من مُصدّرٍ للنفط الخام إلى مصدر للطاقة. ويعمل المشروع الضخم للطاقة الشمسية أيضا على تحرير كميات متزايدة من إنتاج النفط المستهلكة محليا لتأخذ طريقها للتصدير. وهذا التحول الكبير في مزيج الطاقة السعودي لا يمكننا تسميته بـ«النفط الجديد»، بل هو تنويع ضروري يزيد من مناعة الاقتصاد السعودي، ويوفر لنا مئات الملايين من الدولارات التي نتبرع بها من خلال أرامكو، وبشهامة، سنويا لتمويل صندوق الأمم المتحدة للمناخ لإنشاء الدول الأخرى مشاريع الطاقة النظيفة، وعليه، فلن تعودَ لديهم حجة في تتابع طلباتهم المالية؛ فنحن بحاجة إلى تلك المبالغ محليا لتمويل مشروع يعمل على تحقيق الغرض نفسه، ألا وهو مشروع الطاقة الشمسية النظيفة.
نقلا عن عكاظ
نقلا عن عكاظ
المشروع فكرة جبارة وجريئة ،،، ولو انني ارى بعض العوائق (ليس فى المشروع ولكن فى توصيل وتصدير الطاقة الى المناطق المستفيدة ) والتى يمكن تجنبها ان شاء الله ،، منها ١- انه يحتاج الى شبكات عالية الجهد مكلفة وذات تشغيل نوعي ،، ٢- قابلية وتمكن الجهات المستفيدة من استقبال مثل هذه الكميات الكبيرة من الطاقة دون التأثير على استقرارية الشبكات،، ٣- التنافسية في توصيل الطاقة الى حدود شبكاتهم،،، آمل التغلب على مثل هذه العوائق وغيرها بالدراسة والتحليلات الفنية ،، ولو انه يمكن التغلب على الكثير منها عند استخدام هذه الطاقة محليا فى تحلية المياه وتلبية حاجة الشبكة الوطنية والتصدير الى دوّل الجوار،،