لم تعد رؤية المملكة 2030 مؤطرة للأهداف الإستراتيجية الداخلية فحسب؛ بل أصبحت تؤثر في العلاقات الخارجية؛ ومضامين الزيارات الرسمية التي باتت أكثر ارتباطا بأهدافها السياسية؛ الاقتصادية؛ الأمنية؛ المجتمعية؛ والتنموية الشاملة. يبدو أننا نمضي قدما في إعادة هيكلة الزيارات الرسمية الخارجية من أجل عقد شراكات عميقة مع الدول الشقيقة والصديقة؛ وبما يضمن تحقيق المصالح المشتركة وإنجاح رؤية المملكة المستقبلية. لم تعد البروتكولات التقليدية؛ برغم أهميتها؛ مُستأثرة بالزيارات الرسمية، بل أصبحت المصالح الوطنية الإستراتيجية حاضرة في تفاصيل اللقاءات والمشاورات والإتفاقيات المشتركة؛ وفق رؤية واضحة لا يتخللها الاجتهاد.
تمخضت زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا عن اتفاقيات ومذكرات تفاهم مشتركة في قطاعات التعليم والصحة والثقافة والترفيه والخدمات المالية والتقنية والعلوم والابتكار والطاقة والأمن والدفاع وفق رؤية إستراتيجية متبادلة؛ تؤمن وتدعم في الوقت نفسه؛ أهداف رؤية المملكة 2030؛ والعمل على إنجازها وفق ما خطط له. تصدرت «الرؤية» البيان المشترك؛ واستأثرت بتأكيد المملكة المتحدة «دعمها القوي» لها؛ ولبرنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ والتزامها بتقديم الخبرة لمساعدة المملكة في إصلاحاتها الحيوية. إعادة تشكيل العلاقات الخارجية على أسس إستراتيجية تضمن التوازن الدولي؛ واقتناص الفرص؛ واستثمار المقومات التنافسية المتاحة أحد الأهداف الرئيسة للقيادة الساعية نحو تطوير العلاقات الدولية بما يحقق الأهداف التنموية الشاملة؛ وأمن واستقرار المنطقة بشكل عام.
كان لافتا توقيع مذكرة إعلان نوايا حصول المملكة على 48 طائرة تايفون؛ برغم محاولات أطراف متعددة منع إجراءات إمضاء الصفقة؛ والتأثير السلبي على العلاقات المشتركة؛ بل والتأثير على زيارة ولي العهد.
رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أشادت أمام البرلمان البريطاني، بالعلاقات التي تربط بلادها بالسعودية في مجالي الدفاع والأمن؛ وواجهت زعيم حزب العمال المعارض؛ «جيريمي كوربين» الذي استغل الشعارات الحقوقية الكاذبة للتأثير السلبي على الاستقبال الاستثنائي لولي العهد؛ بقولها؛ إن «الصلة التي تربطنا بالسعودية تاريخية؛ إنها مهمة وأنقذت أرواح مئات الأشخاص على الأرجح في هذه الدولة». تحقيق الأمن الوطني المشترك؛ ومكافحة الدعاية الإرهابية لا سيما الموجهة باللغة الإنجليزية؛ والارتباط بالتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب؛ من أهم ما تضمنه البيان المشترك؛ وأحسب أن تنفيذ هذه الاتفاقيات بكفاءة؛ كفيل بإنجاح جهود مكافحة الإرهاب؛ وتعزيز الأمن في المنطقة.
لم تعد المملكة في توفير احتياجاتها؛ مرتهنة بأي من الدول العظمى؛ بل باتت خياراتها مفتوحة ومتنوعة؛ تساعدها في تحقيق أهدافها الإستراتيجية. تنويع العلاقات الدولية على أسس من المصالح الاقتصادية المشتركة تسهم في توثيقها واستدامتها؛ وهو أمر لم يكن متاحا من قبل. رؤية المملكة 2030 فتحت آفاق الاستثمار والتوطين؛ وربطت بين توفير الاحتياجات وتحقيق المنفعة للاقتصاد الوطني وللأمن الإستراتيجي؛ وأعادت في الوقت نفسه رؤية دول العالم للمملكة الحديثة؛ بطموحها الكبير وقدراتها المتنوعة وقدرتها على التأثير الخارجي وتحقيق أهدافها بمعزل عن التبعية أو الارتباط القسري المُسوغ للتنازلات وإضاعة الحقوق.
نقلا عن الجزيرة