قد تكون زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ إلى بريطانيا مختلفة عن باقي الزيارات الرسمية السابقة؛ لم لا؛ والبلدان يشهدان تغيراً إستراتيجياً في الجانبين الاقتصادي والسياسي، حيث بدأت بريطانيا مفاوضات خروجها من الاتحاد الأوروبي؛ ما يجعها أكثر حاجة لإعادة ترتيب علاقاتها الاقتصادية وبما يمكنها من تعويض الخسائر الاقتصادية المتوقع حدوثها نتيجة الانسحاب؛ في الوقت الذي أطلقت فيه المملكة رؤيتها 2030 المتضمنة الكثير من الفرص الاستثمارية الواعدة؛ والبرامج الاستثمارية المرتبطة بصندوق الاستثمارات العامة الموجه للخارج؛ إضافة إلى رؤية سمو ولي العهد تجاه أرامكو السعودية؛ وترتيبات طرحها للاكتتاب العام في بعض الأسواق المالية العالمية. تزامن المتغيرات العميقة في البلدين؛ يعزز فرص إعادة بناء العلاقات الاقتصادية والارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية التي لا تتوقف عند الشأن الاقتصادي فحسب؛ بل وتتجاوزه إلى الجوانب السياسية والأمنية والتنموية الشاملة.
وهذا ما يؤكده الأمير محمد بن سلمان؛ في مقابلته مع صحيفة «تليغراف Telegraph» البريطانية، حين قال؛ إنه «يأمل في أن تكون الشركات البريطانية قادرة على الاستفادة من التغيرات العميقة التي تحدث في السعودية، والفرص التي ستوفرها رؤية المملكة 2030؛ بعد إتمام مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
وزير الخارجية البريطاني؛ بوريس جونسون؛ أكَّد في حديثه لـ»الشرق الأوسط» أن الزيارة ستسفر عن تأسيس «مجلس للشراكة الإستراتيجية» من أجل وضع الأسس الكفيلة بنقل العلاقات المشتركة إلى «مرحلة جديدة». الصحف البريطانية تكهنت بالملفات المتوقع مناقشتها والنتائج المتوقعة منها؛ خاصة في الجانب الاستثماري؛ حيث توقعت «الفاينانشيال تايمز» توقيع صفقات بـ 100 مليار دولار.
أعتقد أن الملف الاقتصادي ربما استحوذ بشكل كبير على مجريات الزيارة؛ إلا أن سمو ولي العهد يحمل معه العديد من الملفات الإستراتيجية الأخرى؛ خاصة ما تعلق منها بمكافحة الإرهاب؛ ما يعني أن اللقاءات المنتظرة لن ترتبط بالصفقات الاقتصادية فحسب؛ بل العلاقات الإستراتيجية التي يُعتبر القرار الاقتصادي جزءاً منها.
إنشاء «مجلس الشراكة الإستراتيجية» يفترض أن يقوم على أسس صلبة؛ تحقق المصالح المشتركة؛ وتزيل من أمامها المعوقات التي قد تتسبب في بطء حركتها؛ أو عرقلتها. فالأمير الشاب؛ الذي قالت عنه صحيفة «تليغراف Telegraph» بإمكانية «اعتباره أكثر شخصية مؤثرة في سياسات الشرق الأوسط المعاصرة»؛ يهدف إلى بناء شراكة مثمرة ومستدامة تعزز المكاسب الحالية وترتقي بها إلى آفاق الشراكة؛ وتعالج بعض المعوقات التي قد تحول دون تحقيق الأهداف المرسومة. ولعلي أربط بين ملف الشراكة الإستراتيجية وملف مكافحة الإرهاب المتوقع أن يستأثر بجانب مهم من المباحثات المشتركة. لم يعد سراً وجود أفراد وجماعات مستفيدة من أنظمة اللجوء على الأراضي البريطانية في الوقت الذي تعتبرهم المملكة من أكثر الداعمين للجماعات الإرهابية؛ والمروجين للكراهية والأفكار التكفيرية. لا يمكن للمملكة المتحدة أن تجمع بين النقيضين؛ مكافحة الإرهاب وإيواء الهاربين من وجه العدالة والمحرضين على الكراهية والأعمال الإرهابية.
الأمن والاستقرار هما قاعدة التنمية الاقتصادية الصلبة؛ المفضية للشراكات الاقتصادية؛ وأكثر ما يهدد أمن واستقرار المنطقة هي الجماعات الإرهابية بتصنيفاتها ومسمياتها المختلفة؛ ما يستوجب التعامل بكفاءة وحزم مع ملف مكافحة الإرهاب؛ ووقف الأنشطة التمويلية والفكرية والإعلامية الداعمة لها؛ والتي يتخذ أصحابها من «لندن» منصة عالمية لهم.
نقلا عن الجزيرة