سعدنا جميعا بإعلان عودة انعقاد «منتدى جدة الاقتصادي» بعد انقطاع دام عامين، لأسباب لم تُوضَّحْ من قِبَلِ الغرفة التجارية الصناعية بجدة، وأيًّا كانت تلك الأسباب، فلا يُمْكِنُها تبرير ذلك التوقف؛ إذ اكتسب ذلك المنتدى أهمية قصوى -ليس على المستوى المحلي فقط، بل والعالمي أيضًا- وحقَّقَ تميُّزًا في فترته الأولى الذهبية، فاقَ كثيرًا من المنتديات المحلية والإقليمية.
ومنذ بدايته عام (2000) -أيْ قبل ثمانية عشر عامًا- صارَ يمثل ملتقى حواريًّا نِقاشِيًّا لقضايا اقتصادية سعودية وعالمية، وكان يخرج بنتائج لو طُبق بعضُها منذ ذلك الحين، لأصبحَ وضعنا أفضل بكثير. كما أنَّه كان أيضًا ملتقًى لكثيرٍ من الفرص الاستثمارية التي عقدت على هامش دوراته المتعددة.
وعنوان منتدى هذا العام «من الرؤية إلى الازدهار» يُمثل تفاؤلا مطلوبا، يحتاج ترجمةً من خلال جلساته، وتوضيحا لكيفية الوصول برؤية (2030) إلى مرحلة الازدهار لاقتصادنا السعودي. كما يُمثل فرصة لالتقاء مسؤولينا مع المجتمع لإضفاء شفافية ما زلنا نفتقر إليها، وخاصة فيما يتعلق بتفاصيل برامج رؤية (2030) وما يمكن عمله للتخفيف من آثارها الاقتصادية السلبية على المواطنين.
ومهمة منتدى جدة الاقتصادي هذا العام والأعوام القادمة ينبغي ألَّا تكون تقليدية تتغلَّبُ فيها الموضوعات الاقتصادية العالمية على الشأن الاقتصادي المحلي، الذي أصبح الشغل الشاغل للعامة في كل المنتديات والصالونات الاجتماعية. وفي حال غياب الشفافية، نجد طغيان الإشاعات على الحقائق، وما نتج عنه من حُلول النظرة التشاؤمية القاتمة محل الواقع، خاصة وأننا نمر بمرحلة انتقالية لم تظهر فيها نتائج معظم برامج الرؤية التي تم تطبيقها. ومطالبتنا -بعدم تغلُّب الطابع العالمي على المحلي- لا تعني الدعوة إلى عدم استقطاب بعض الخبراء العالميين؛ فوجودهم مُهِمٌّ لتزويدنا بنظرة محايدة حول ما نحن ماضون فيه تنويعًا لاقتصادنا، ولاطلاعنا أيضا على تجارب قد نجحت فيها دول أخرى؛ لعَلَّنا نستفيد منها.
ورغبة في تحديد العوامل التي ستساهم في نجاح منتدى جدة الاقتصادي من الآن فصاعدا، فإنه يمكن تلخيصها في التالي:
أولا- لسنا بحاجة إلى سياسيين دوليين سابقين كِبار، يُرهقون ميزانية المنتدى دون تحقيق فائدة ذاتِ بالٍ من وراء إلقائهم محاضرة لنصف ساعة أو أقلَّ ثُمَّ يغادرون. فقد تَمَّ ذلك للمنتدى في دوراته الماضية وتَمَّ تعرُّفُنا على آراء كثير منهم بقدر لا نحتاج معه إلى مزيدٍ.
ثانيا: علينا إلغاء النَّمَط الكلاسيكي لمشاركة وزرائنا ومسؤولينا، فلنْ يُجدي بِحال أنْ يستغرق إلقاء الوزير أو غيره من المسؤولين لمحاضرته، فترة طويلة، ثمَّ يَكتفي بالإجابة على سؤالين أو ثلاثة؛ فعهدُ التلقِّي قد مضى؛ ولا مفرَّ من التفاعل مع الحضور بشكل أكبر وأكثر إنتاجية. وأقترح أنْ يكون المسؤولون مشاركين في جلسة حوارية لكل موضوع، وتُعطى فيها لكل مشارك عشر دقائق لتخليص وجهة نظره، ويكون المسؤول الحكومي بعدها جاهزًا للإجابة على الأسئلة التي تُطرح عليه بكل شفافية؛ -فلنْ تُقبلَ منه الإجابات العامة الإنشائية حيال الموضوع محل النقاش- يتمُّ بعدها فتحُ المجال للنقاش الشامل والتفاعل مع مختلف الأسئلة من قِبَلِ جميع متحدِّثِي الجلسة. وهذا هو النَّمَط الحديث السائد في مختلف المؤتمرات والمنتديات الدولية، ومعظمنا يُتابع أو يشارك في منتدى دافوس العالمي، وقد لاحظ هذا النمط العملي ذي الفائدة الأكبر.
ثالثا: ينبغي الابتعاد عن نوعٍ آخر من الكلاسيكية، وهو اختيار الوجوه نفسها لِكل منتدى؛ فالتنويع مُهم وضروري، وإشراكُ الشباب ضروريٌّ أيضا، ليتمَّ الجمع بين الخبرة من جهة، وبين رؤاه الواعدة وكفاءاته المتميِّزة من جهة أخرى، وقد ظهرت ولا تزال تظهر منها، أعداد متزايدة في مختلف المجالات، والتي لا يَسعنا إلَّا ان نقف لها احتراما وتقديرا.
رابعا: أنْ تكون اللغة العربية هي لغة المنتدى، مع إتاحة ترجمة فورية؛ فبعض من يشارك قد لا يجيد الإنجليزية. وحتى لو أجادها الجميع، فلا يليق أنْ تكون لغة المنتدى غير لغة البلد الذي ينعقد فيه، وخاصة إذا كان ذلك البلد هو المملكة العربية السعودية.
ونختم بالقول: إنَّ منتدى جدة الاقتصادي يمثِّل الوجه التوعوي لمرحلة تنميتنا الاقتصادية، بتوضيح تفاصيلها، وإضفاء الشفافية عليها، وقد وعَدَنا بها الأمير محمد بن سلمان في لقاءاته معنا، وفي ذلك تحقيقٌ للتفاعل المطلوب بين القيادة المشرفة على تنفيذ الرؤية، وبين المواطنين. وقد يحقق لنا سموه مفاجأة بمشاركته في الجلسة الأولى للمنتدى على غرار ما تفضل به في مؤتمر الاستثمار الذي عقد العام الماضي 2017، ويكون قدوة لبقية جلسات المنتدى من حيث الإجابات الشافية والتوضيح اللازم والاستماع وجها لوجه لوجهات النظر المختلفة حيال الرؤية الاقتصادية 2030 وتطبيقاتها. ونرجو أنْ يكون أيضا من نتائج المنتدى الاستفادة من مختلف الاقتراحات التي ستطرح في جلساته. مع رجاءٍ بأنْ يُحقِّق التفوق الذي رسمته جدة لمختلف فعالياتها لتكون بالفعل «جدة غير».
نقلا عن عكاظ