عامًا بعد آخر تثبت وزارة الحرس الوطني قدرة فائقة على الجمع بين الجوانب الثقافية والتراثية والفكرية والاقتصادية في مهرجانها السنوي «الجنادرية»، وربما أطّرت ذلك بإطار من الفكر السياسي معتمدة على فلسفة «الدبلوماسية الناعمة» في استقطابها الدبلوماسيين والمفكرين والمؤثرين عالميًّا؛ للمشاركة في الندوات المهمة التي تشكّل ركيزة مهمة من ركائز المهرجان.
تعكس رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، وتشريفه حفل الافتتاح، أهمية المهرجان ودوره الرائد في التوثيق التاريخي، وتعزيز الثقافة والتراث الوطني، والعمل على تعزيز الهوية الوطنية والعربية الإسلامية.
أحسب أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة بات أحد أهم المهرجانات البارزة في المنطقة، والوجهات السياحية الجاذبة؛ لما يحتويه من برامج تراثية وثقافية متنوعة. وبالرغم من أهمية البُعد التراثي للمهرجان، والبرامج التقليدية التي تقام كل عام، إلا أن الجانبَيْن الثقافي والفكري باتا ينافسان في مضمونهما وتأثيرهما الأنشطة التراثية.
من اللافت استئثار البرامج التراثية بالتغطيات الإغراقية، والمتابعة الجماهيرية، دون أن يكون للبرامج الثقافية، وما تتضمنه من ندوات ومحاضرات، يعقدها وزراء ومفكرون وساسة واقتصاديون، حضورٌ يتناسب مع أهميتها، بالرغم من حرص المنظمين وإدارتهم بكفاءة للبرامج الثقافية.
الحديث عن «الدبلوماسية الناعمة» يقودنا نحو استثمار حضور الشخصيات المؤثرة عالميًّا في المهرجان؛ لتعزيز العلاقات، وردم الفجوات الثقافية، وبناء جسور من الحوار المثمر، وتحقيق الاستفادة القصوى من وجودهم.
ولعلي أركز على البرامج الثقافية التي وُفِّق المنظمون في استقطاب شخصيات مهمة للمشاركة فيها، وانتقاء موضوعاتها التي تلامس الواقع والمتغيرات العالمية والمحلية، إضافة إلى اختيار الشخصيات الاستثنائية المكرمة التي يتقدمها الأمير سعود الفيصل - رحمه الله -. فندوة الأمير سعود الفيصل التي سيشارك بها الأمير تركي الفيصل، والشيخ خالد بن أحمد الخليفة وزير خارجية مملكة البحرين، ومعالي الأستاذ خالد الجبير وزير الخارجية السعودية، إحدى أهم الندوات في المهرجان، إضافة إلى ندوة التحول الوطني والتنمية الثقافية والاجتماعية التي سيشارك بها أصحاب المعالي الوزراء، والندوات الأخرى.
ندوات قيمة، أجزم بارتقاء مخرجاتها، بما يتوافق مع أهمية المتحدثين فيها. وتبقى المراهنة على حجم الحضور ونوعيته، الذي يُعتبر أكبر الداعمين لمثل تلك الأنشطة الثقافية المهمة.
يُفترض أن تكون الجامعات والكليات من المشاركين الدائمين في الحضور بطلابها كجزء من أنشطتها الأكاديمية، دعمًا للتظاهرة العالمية المهمة.
أختم بالتركيز على أهمية «الدولة.. ضيف الشرف» التي يمكن أن يسهم وجودها في تعزيز الشراكة معها، من خلال جسر الثقافة والتواصل المجتمعي والفكري المعزز للجوانب السياسية والاقتصادية. الربط بين المشاركة التراثية لضيف الشرف والمشاركة الفكرية في الندوات والمحاضرات المنعقدة على هامش المهرجان من الخطوات المؤثرة والمهمة التي عملت على تعزيزها وزارة الحرس الوطني. تسهم مشاركة المفكرين والمختصين من دولة الشرف في تلاقح الأفكار، ونقل الخبرات، وطرح الرؤى، وتعزيز العلاقات المثمرة بجوانبها المختلفة. قد يكون من الأهمية توسيع نطاق الاستفادة من الحضور الدولي للمهرجان بإقامة ملتقيات اقتصادية ومعارض نوعية، تعزز الشراكة مع الدولة المضافة، وتمهد لشراكات اقتصادية، أو تعزز القائم منها.. وهو أمر يحتاج إلى رؤية أوسع لاستثمار الحدث، والاستفادة من هذا المهرجان العالمي والشخصيات المهمة الموجودة فيه.
نقلا عن الجزيرة