هل ستتمكن بلدان الخليج من عبور عام 2018 بسلاسة، وتنجز متطلبات الإصلاح التنموي؟ أي هل ستتوافر الإمكانات، وقبلها الإرادة السياسية لتوظيف الأوضاع الاقتصادية المتغيرة، من أجل بناء اقتصادات متوازنة وبعيدة من النهج الريعي الذي اعتمد في هذه البلدان على مدى العقود السبعة المنصرمة؟
هناك مؤشرات في عدد من دول الخليج تؤكد أن التحولات الهيكلية مقبلة، ومن هذه الدول السعودية والإمارات، حيث يتم التركيز على مشاريع اقتصادية كبيرة تساهم في تنويع القاعدة الاقتصادية. كما أن الاهتمام بتعزيز دور اليد العاملة الوطنية في سوق العمل، خصوصاً في السعودية، يتنامى وفي الوقت ذاته يعاد النظر في البرامج والمناهج التعليمية بما يفضي إلى مخرجات مؤهلة لأداء الوظائف والمهن في مختلف القطاعات الاقتصادية. وبذلك يمكن الحد من الاعتماد الهيكلي على العمال الوافدين. يضاف إلى ذلك أن السعودية والإمارات والبحرين أخذت تطبق ضريبة القيمة المضافة المتفق عليها من جانب دول مجلس التعاون الخليجية. وبطبيعة الحال، أكدت بلدان أخرى مثل الكويت، اهتمامها بالإصلاح البنيوي وطرحت وثيقة إصلاح قبل سنتين، وإن تم تجميد هذه الوثيقة، لكن المزاج السياسي في الكويت ليس في وارد الإصلاح الاقتصادي. كما أن إنجازات تعديل سياسات الدعم، للوقود والكهرباء والماء والتي تم اعتمادها، لا تزال محدودة، وفي الوقت ذاته تواجه معارضات تهدف إلى تجميدها.
لا تزال الضريبة على القيمة المضافة، وهي ضريبة على السلع والخدمات وتشمل في شكل أساسي السلع والخدمات الكمالية، تواجه عقبات. وقررت عُمان تأجيلها إلى عام 2019 في حين تم تأجيلها في الكويت من دون تحديد موعد لتطبيقها. ويمكن الزعم بأن هذه الضريبة قد تؤدي إلى تحسين قيمة الإيرادات غير النفطية للخزينة العامة في دول الخليج ولكن في شكل محدود، بيد أن مثل هذه الضريبة ربما يؤدي إلى ترشيد السلوكات الاستهلاكية بين المستهلكين من المواطنين في بلدان المنطقة. كما أن تطبيق هذه الضريبة يوفر مناخات ملائمة لاعتماد ضرائب أكثر أهمية في المستقبل، مثل ضريبة الدخل وضريبة أرباح الشركات وضريبة الأرباح الرأسمالية «Capital Gai»، وكذلك تعزيز القدرة الإدارية لجباية الضرائب وتوفير بنية مؤسسية للتعامل مع أنظمتها.
هناك من يرى عدم لزوم ضريبة القيمة المضافة نظراً إلى تحسن، أسعار النفط في الآونة الأخيرة، أو تماسكها، إذ يبلغ متوسط سعر برميل خام بلدان الخليج أكثر من 60 دولاراً، إضافة إلى توافر احتمالات التحسن بفعل التزام دول «أوبك» والدول المنتجة الأخرى بخفض الإنتاج المتفق عليه عام 2016، والذي تم تمديده أخيراً. وغني عن البيان أن الإدارات السياسية في بلدان المنطقة اعتادت اعتماد فلسفة اقتصادية تهدف إلى تسهيل الأوضاع المعيشية في هذه البلدان، وإن كان ذلك بكلفة مالية عالية. لكن، هناك فرص الآن لإعادة النظر في هذه الفلسفات الريعية، وإن تباين ذلك بين بلد وآخر منها.
إن من الأهمية بمكان أن تفعل الإدارات الاقتصادية برامج الإصلاح خلال هذا العام والأعوام المقبلة، والتي قد تكون الأوضاع المالية فيها معقولة ومناسبة بفعل تحسن الإيرادات النفطية. يرى كثر من الاقتصاديين أن إنجاز الإصلاح البنيوي في ظل أوضاع مالية مريحة للحكومات، يساعد في تجاوز الصدمات الاجتماعية. ولا بد من أن تعمل الإدارات الحكومية على تطبيق ما ورد في برامجها التنموية، مثل خطة 2030 السعودية و2035 في الكويت، وتحدي العقبات السياسية والإدارية والمجتمعية بما يساعد في بلوغ الأهداف الواردة في هذه الخطط الاستراتيجية. إضافة إلى ذلك، يجب أن تؤخذ في الاعتبار متغيرات اقتصادات الطاقة وتوجهات الدول المستهلكة إلى خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، واستخدام الوقود النظيف والمتوافق مع متطلبات البيئة النظيفة. وهنا، يجب الإبداع وتطوير إمكانات تصدير النفط النظيف الملائم المعايير البيئية في تلك البلدان المستهلكة.
يضاف إلى ما سبق، تحدي النفط والغاز الصخري، إذ يرتفع الإنتاج في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان بتكاليف اقتصادية مقبولة. وعندما تؤخذ هذه الأمور في الاعتبار، لا بد من أن تشعر الإدارات الاقتصادية في بلدان الخليج بضراوة التحديات المقبلة وأهمية التفاعل معها وتعزيز القدرة على مواجهتها والحد من الانكشاف عليها. عندئذ، تبرز أهمية معالجة الاختلالات والتشوهات الاقتصادية.
نقلا عن الحياة