تقوم العلاقة بين القطاع الخاص والمجتمع على عدد من الركائز، منها أن الطرف الثاني يمثل جانب الطلب لمنتجات وخدمات الطرف الأول، فهو الزبون أو المستهلك الدائم والأهم لما ينتجه القطاع الخاص، وتحدد تلك العلاقة صعودا وهبوطا عوامل أساسية كمستوى الدخل الشهري للأفراد (تحديدا الدخل المتاح للإنفاق من قبل الأفراد والأسر)، حيث بلغ متوسط الدخل الشهري للعمالة الوطنية في القطاع الحكومي 10.8 ألف ريال شهريا بنهاية 2017، مقابل بلوغه بالنسبة للعمالة الوطنية في القطاع الخاص 6.0 ألف ريال شهريا للعام نفسه، دون إغفال أهمية الإنفاق الحكومي بالطبع، إضافة إلى مستويات الأسعار وجودة السلع أو الخدمات المقدمة من منشآت القطاع الخاص كعامل أساسي آخر.
كما تقوم العلاقة بين الطرفين أعلاه على اضطلاع القطاع الخاص بدور رئيس في مجال توظيف القادرين على العمل من المجتمع، تجاوزت نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص إلى إجمالي العمالة في سوق العمل المحلية 56.3 في المائة بنهاية 2017، مقارنة بنسبة 41.2 في المائة التي كانت عليها بنهاية 2009، ارتفع إجمالي العمالة في القطاع الخاص خلال تلك الفترة من 681.5 ألف عامل وعاملة من المواطنين والمواطنات بنهاية 2009، إلى نحو 1.8 مليون عامل وعاملة من المواطنين والمواطنات بنهاية 2017، وهي العلاقة التي يعول كثيرا على تناميها مستقبلا، يكون فيها القطاع الخاص الحاضن الأكبر لتوظيف طالبي العمل من المواطنين، قياسا على دوره المأمول في زيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني.
يتأكد مما تقدم أن العلاقة بين القطاع الخاص والمجتمع تكاملية أكثر من كونها تصادمية، وأن تنامي مصالحهما على قدر من العدالة والمساواة والكفاءة، من شأنه أن يحقق الاستقرار والاستدامة اللازمة لكلا الطرفين، فعلى سبيل المثال؛ ليس من مصلحة القطاع الخاص أن يهمل أو يتأخر في توظيف الباحثين عن عمل من أفراد المجتمع، الذي سينعكس على أثره فقدان مصادر الدخل بالنسبة للأفراد على ضعف قوة الطلب على منتجات وخدمات القطاع. وليس من مصلحة القطاع الخاص أيضا المغالاة في مستويات أسعار منتجاته وخدماته لأسباب غير معقولة التبريرات، حسبما هو مشاهد خلال الوقت الراهن على أثر ارتفاع استهلاك الطاقة وبدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة، مقابل ثبات مستويات الدخل بالنسبة للأفراد، ما سيتسبب لاحقا في انخفاض مبيعات منشآت القطاع الخاص، ودخوله بالتأكيد في تحديات أكبر من تحدياته الراهنة، قد لا تنفع معها أية حلول، أو قد تتطلب تحمل تكاليف أكبر بكثير من التكاليف الراهنة التي يحاول القطاع الخاص تحميلها على كاهل المستهلكين. وتزداد الأعباء هنا على كاهل منشآت القطاع الخاص تحت زيادة خروج شرائح واسعة من المستهلكين الوافدين، وزيادة ضغوط آثاره على مستويات الطلب الاستهلاكي المحلي للمجتمع بالانخفاض، ما سيؤدي بكل تأكيد إلى تفاقم حجم الضغوط بدرجة أكبر بكثير على منشآت القطاع الخاص.
على الرغم مما شهده الربع الأخير لعام 2017 من انخفاض قياسي للعمالة الوافدة في القطاع الخاص، ناهز الـ 229 ألف عامل وافد، ليكمل خروج نحو 544.5 ألف عامل وافد خلال العام كاملا، إلا أن عودة البدلات لعديد من موظفي القطاع الحكومي، وزيادة توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص خلال النصف الثاني من عام 2017 بنحو 102.8 ألف عامل وعاملة من المواطنين والمواطنات، إضافة إلى ميل مستويات الأسعار في السوق المحلية للانخفاض طوال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، أسهم كل هذا في تسارع معدلات نمو الإنفاق الاستهلاكي الخاص خلال الربعين الأخيرين من 2017، بلغ معدل نموه السنوي بنهاية الربع الثالث 2.9 في المائة، ثم ارتفع إلى 7.0 في المائة بنهاية الربع الرابع، وهما المعدلان الأعلى مما كانا عليه خلال الربعين الأول والثاني من العام نفسه، الذي بلغا فيه حسب الترتيب نحو 0.1 في المائة ونحو 0.8 في المائة على التوالي، ونتج عن هذا التسارع في نمو الإنفاق الاستهلاكي الخاص خلال الربعين الثالث والرابع، أن تصاعد النمو الحقيقي للقطاع الخاص بنحو 3.0 في المائة بنهاية الربع الثالث، ثم ارتفع إلى 3.1 في المائة بنهاية الربع الرابع، ليتمكن القطاع الخاص مع نهاية 2017 من تحقيق معدل نمو حقيقي خلال العام كاملا بلغ 0.7 في المائة.
تتوافر لدى منشآت القطاع الخاص خلال المرحلة الراهنة الكثير من الخيارات، التي يمكنه بالاعتماد عليها أن يتكيف سريعا مع الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، لعل من أهم تلك الخيارات ضرورة أن يعيد موازنة بنود تكاليفه التشغيلية، والتركيز هنا على بند إيجارات محاله ومواقعه المستأجرة كخيار أول، التي تشكل ما بين 40 في المائة إلى 60 في المائة من تكاليفه التشغيلية، سيسهم عمله على خفضها بما لا يقل عن 30 في المائة فأكثر عن زيادة قدرته المالية على امتصاص الآثار العكسية لأي ارتفاع محتمل في بقية بنود تكاليفه (تكاليف النقل، والكهرباء، وضريبة القيمة المضافة)، وهو الخيار الأنسب والممكن تحققه قياسا على الركود العقاري المسيطر خلال المرحلة الراهنة، وهو أيضا الخيار الأقل تكلفة ومخاطرة على المستويات كافة أمام منشآت القطاع الخاص.
لا شك أن لجوء أي منشأة إلى رفع أسعار منتجاتها أو خدماتها كأول خيار من قبلها، سيمثل مغامرة غير محسوبة العواقب، قد يترتب عليها انخفاض مبيعاتها وهوامش أرباحها وعجزها لاحقا عن مواجهة تكاليفها التشغيلية، ما سيضطرها في مراحل تالية لاتخاذ ما هو أصعب وأكبر تكلفة على ميزانيتها، وقد يصل بها الأمر إلى نهاية الطريق فتغلق أبوابها وتوقف نشاطها، وهو الأمر الذي تجد مقابله حسب الأوضاع السائدة من حولها اقتصاديا وماليا وعلى مستوى ضعف القوة الشرائية لدى أغلبية الأفراد، وأخذا في الاعتبار ما قد يتخذه المنافسون من تدابير أفضل، كعدم رفع الأسعار والعمل على إعادة هيكلة بنود التكاليف كما أسلفت ذكره أعلاه، أؤكد أنه الأمر الذي لن يجد قبولا أو استجابة مأمولة من المستهلكين وفقا لتلك الأوضاع، ما يعني انسداد هذا الطريق، وعدم أفضلية رفع الأسعار كخيار أول، قد تكون نتيجته النهائية مزيدا من الخسائر، والتوقف النهائي لنشاط المنشأة، وهي النتيجة التي لا يتمناها أي طرف من الأطراف، في مقدمة تلك الأطراف مالك المنشأة. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية