توقع عدد من وزراء «أوبك» ومحللون كثر ارتفاع الأسعار خلال عام 2018، في مواصلة لمسيرة الزيادة التي سُجلت عام 2017 ، نظراً إلى استمرار الانخفاض المهم في فائض المخزون النفطي، وعودته إلى معدلاته الطبيعية.
هذا التحول في أساسيات العرض والطلب، أشاع التفاؤل في ارتفاع الأسعار بعد السنوات الأربع الماضية، نظراً إلى تجربة الاتفاق التاريخي بين 24 دولة منتجة، تضم أقطار منظمة «أوبك» وحلفاءها من الدول غير الأعضاء في المنظمة. وكان عماد هذه التجربة التعاون السعودي- الروسي، والتزام الدول المنضوية إلى اتفاق خفض الإنتاج 1.8 مليون برميل يومياً في تنفيذ التزاماتها بنسب عالية لا سابق لها في تاريخ اتفاقات خفض الإنتاج، وذلك في ظل شفافية دقيقة من قبل لجنتين وزارية وفنية مشتركتين لدول «أوبك» وحلفائها، ناهيك بمتابعة شركات النفط ووسائل الإعلام المتخصصة والمكاتب الاستشارية.
شكّلت هذه العوامل الثلاثة، التحالف والالتزام والشفافية، أسس نجاح الاتفاق التاريخي الذي بدأ تنفيذه في الأول من كانون الثاني (يناير) 2017، والذي مددت فترته حتى نهاية 2018، للتأكد من تقلص الفائض إلى مستوياته السابقة.
ويُفترض في ضوء اضمحلال الفائض في المخزون والزيادة المستمرة في الطلب، أن تتواصل مسيرة ارتفاع الأسعار والتي تتراوح خلال هذه الفترة بين 60 و65 دولاراً للبرميل، لكن توجد ثلاثة تحديات قد تشكل عثرات أمام ارتفاع السعر المتوقع.
لماذا التفاؤل؟ أولاً، تشكل تجربة الاتفاق الناجحة، حرص الدول المنتجة على تنفيذ تعهداتها لمصلحة أقطارها الاقتصادية مؤشراً مهماً في الاستمرار في استكمال المسيرة لتصحيح الأسعار على المديين القصير والمتوسط. وتدل معلومات اللجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الإنتاج، على أن التزام دول الميثاق الـ24، حققت التزاماً عالياً بلغ في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي نحو 122 في المئة، ما يعني أن بعض الدول خفضت أكثر من المعدلات المطلوبة منها.
ثانياً: يشكل انخفاض المخزون إلى 2940 مليون برميل أو ما يشكل فائض 111 مليون برميل في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن معدله للسنوات الخمس الماضية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الصناعية)، وهو المؤشر الذي اعتمدته الدول المنتجة في خفضها. تمثل هذه المعدلات إنجازاً ملحوظاً لتوازن العرض والطلب. إذ تم التخلص من أكبر عامل ضغط لتدهور الأسعار.
ثالثاً: ازدياد الطلب العالمي على النفط لعام 2017 نحو 1.5 مليون برميل يومياً أو 1.6 في المئة عن العام الماضي. وتوقع استمرار زيادة الطلب نحو 1.3 مليون برميل يومياً في 2018، أو نحو 1.3 في المئة، وفق توقعات وكالة الطاقة الدولية. تعود الزيادات في الطلب إلى النمو الاقتصاد العالمي وانخفاض اسعار النفط.
وبما أن الصناعة النفطية تواجه بين الحين والآخر، عقبات صناعية أو حوادث طبيعية، الأمر الذي يؤثر في الأسعار، فقد أدى توقف تدفق نحو 400 ألف برميل يومياً في أواخر 2017 من نفوط بحر الشمال «فورتيز»، إلى تعطل «نظام انابيب فورتيز» أو نحو 40 في المئة من إمدادات بحر الشمال. ترك هذا الحدث بصماته على زيادة سعر نفط «برنت» وهو يُستخدم مؤشر لتسعير النفوط العالمية. لقد أدى هذا التعطيل في الأنابيب الى ارتفاع سعر «برنت» إلى أكثر من 65 دولاراً لأيام محدودة. ولا يتوقع إصلاح العطل في الأنابيب قبل الأسبوعين الأولين من 2018. هذا يعني أن الامدادات ستعود تدريجاً في بادئ الأمر. ولن تعود إلى طاقتها الكاملة قبل الانتهاء الكلي من تصليح الأنابيب.
تتمثل التحديات الثلاث بالآتي، أولاً متى سينتهي اتفاق خفض الإنتاج. وكيف سيتم الخروج منه؟ من المعلوم أن اجتماعاً وزارياً اعتيادياً نصف سنوي لمجلس وزراء «أوبك» سيُعقد نهاية حزيران (يونيو) المقبل. وتضغط روسيا لإنهاء الاتفاق قبل نهاية السنة. والسبب في ذلك أن مجموعة من شركاتها الكبيرة ملتزمة بالإنتاج من حقول طُوّرت حديثاً. كما تتخوف موسكو من ارتفاع الأسعار على زيادة الانتاج، كما توجد دول أخرى داخل المنظمة وخارجها مؤجلة الإنتاج من حقول مطورة، من ثم متحملة خسارات كبيرة. لقد بدأت التكهنات منذ أسابيع حول ما إذا كان الاتفاق سينتهي في موعده المحدد، أو في وقت مبكر. كما تدور التكهنات والإشاعات حول أسلوب الانتهاء من الاتفاق. وهذه الأسئلة تُعتبر مرتعاً خصباً للإشاعات والمضارابات ما يؤثر سلباً في الأسعار عادة.
ثانياً: ما هو مستوى الإنتاج بعد إنهاء الاتفاق، هل ستنتج بعض الدول بطاقتها الانتاجية الكاملة مباشرة، أو هل ستزيد انتاجها تدريجاً. هل ستكون هذه العودة ضمن اطار او نظام يتفق عليه مسبقاً. والأسواق في انتظار بيان من الدول الـ24 حول الأمر. والمتوقع إصدار بيان كهذا لاحقاً. السؤال هو ما مدى الالتزام به، خصوصاً أنه أمر غير مسبوق لدى الدول المنتجة.
وهنا أيضاً، سيحاول المضاربون التلاعب بالأسواق والتأثير سلباً في الأسعار.
ثالثاً: هناك مسألة زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي. فوفق أرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إن إنتاج النفط الصخري في ازدياد وعلى مدى 13 شهراً متتالياً، ليصل معدل الإنتاج الحالي له إلى نحو 6.41 مليون برميل يومياً. وتتوقع الإدارة أن يبلغ معدل الزيادة نحو 94 ألف برميل يومياً في كانون الثاني 2018.
من ثم، تدخل الدول المنتجة سنة 2018 بأساسيات سوقية قوية ومتفائلة. لكن تبقى هناك تحديات ستواجهها. تستطيع الدول المنتجة استمرار الحكمة والتعاون في تجاوز الأسئلة التي تتردد في الأسواق، حول كيفية إنهاء الاتفاق. لكن تستمر المشكلة الحقيقية والتي أطلقت شرارة انخفاض الأسعار في 2014. الزيادة العالية والسريعة للنفط الصخري الأمير كي في حال استمرارها. تثير هذه الصناعة أسئلة محيرة حول مدى زيادة الإنتاج وكلفته.
من الواضح، لا يمكن الاستمرار بخفض الإنتاج من بقية دول العالم، لما يعنيه هذا من إرباك للطاقة النفطية في هذه الدول، ناهيك بخسارة الأسواق.
نقلا عن الحياة