برغم الأهمية القصوى لمصادر الطاقة التقليدية؛ إلا أن زيادة الطلب عليها؛ وبشكل متسارع؛ يستوجب البحث عن مصادر متجددة تضمن الاستدامة؛ وسلامة البيئة؛ وحماية الإِنسان؛ وترفع الطاقة الإنتاجية؛ وتقلص الاستهلاك المحلي للنفط. تنوع مزيج الطاقة من الأهداف الرئيسة لرؤية المملكة 2030 وهو هدف يعتمد تحقيقه على الاستثمارات؛ والشراكة بين القطاعين الخاص والعام. تكاليف إنتاج الطاقة تحد من قدرة الحكومة على التوسع فيها؛ وبما يضمن تلبية الطلب المتزايد عليها؛ وضمان استدامتها ما ينعكس سلبًا على الخدمات المقدمة للمواطنين؛ والقطاع الصناعي الذي يُنتظر منه خلق المزيد من الوظائف والفرص الاستثمارية؛ ودعم الاقتصاد الوطني. فتلبية الطلب على الطاقة المحلية ليس بالأمر السهل؛ كما أن مخاطر الشح في بعض المناطق تفرض على الحكومة اتخاذ إجراءات محددة لضمان الاستدامة.
إصلاح قطاع الطاقة؛ لضمان استدامتها؛ أحد أهم برامج التحول الاقتصادي؛ حيث تستنزف فاتورة الدعم جزءًا مهمًا من الإنفاق الحكومي. لم يعتمد إصلاح قطاع الطاقة على التسعير فحسب؛ بل اعتمد على برامج الترشيد والتوجيه وتعديل مواصفات المركبات والأجهزة الكهربائية المستوردة لضمان خفض استهلاك الطاقة بشكل أساسي. لذا شكل البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة أحد أهم البرامج الوطنية التي أسهمت بشكل فاعل في خفض استهلاك الطاقة على أسس علمية؛ تعتمد المواصفات والمقاييس أساسًا لها. تقليص الانعكاسات السلبية لأي مراجعة مستقبلية لأسعار الطاقة إحدى الركائز المهمة التي اعتمدت عليها الحكومة في إصلاحاتها الاقتصادية؛ ما يؤكد حرصها على خفض الانعكاسات السلبية للإصلاحات الواجب تنفيذها.
أصبح ملف معالجة التسعير في قطاع الطاقة من الأولويات المعلنة للحكومة؛ وعلى الرغم من أهميتها وتكاليف دعمها؛ حرصت على الربط بين مراجعة أسعارها وضمان استمرارية الدعم لمستحقيه دون سواهم؛ إضافة إلى انتهاج سياسة التوعية وتطبيق برامج الترشيد. فتحقق من خلال ذلك أهداف رئيسة؛ الأول ربط تقييم منتجات الطاقة بأسعارها المرجعية؛ ما يحفز المستثمرين على ضخ استثمارات نوعية في قطاع إنتاج الطاقة لرفع حجمه، وتلبية الطلب المتنامي؛ والثاني تنويع مصادر الطاقة وفتح أبواب الاستثمار في الطاقة البديلة لتحقيق هدف الاستدامة والتنوع؛ والثالث خلق قطاعات صناعية جديدة قادرة على توطين الصناعة ونقل التقنية وخلق الفرص الوظيفية والاستثمارية الصغيرة والمتوسطة؛ إضافة إلى تحقيق كفاءة الدعم الحكومي وخفض فاتورته بتطبيق سياسة الدعم الذكي الذي يصل مستحقيه دون سواهم من خلال «حساب المواطن».
مراجعة أسعار الطاقة من الأمور المهمة لتحفيز الاستثمارات؛ ونمو القطاع؛ وتحقيق هدف تنوع مصادرها؛ واستدامتها؛ إلا أنها من القرارات المقلقة للحكومة والمواطنين؛ لحساسيتها وانعكاساتها على تكلفة المعيشة. تحقيق متطلبات الإصلاح الاقتصادي تستوجب العمل على معالجة تشوهات قطاع الطاقة ومراجعة أسعارها وفق منظومة تأخذ في الاعتبار أهمية استمرارية الدعم الذكي لمعالجة الانعكاسات السلبية على المواطنين والاقتصاد الكلي على حد سواء؛ إضافة إلى أهمية تحقيق متطلبات كفاءة الإنتاج وانعكاساتها على التكلفة النهائية؛ وبالتالي تحقيق تنافسية القطاع وبما ينعكس إيجابًا على جودة الخدمة واستدامتها وتكاليفها النهائية.
نقلا عن الجزيرة