في تقرير وزارة المالية عن الربع الثالث من الميزانية والذي انطوى على تقدم لافت في معظم بنود الميزانية، لفت نظري ارتفاع بند تعويضات الموظفين (المكافآت والأجور والرواتب) وبنسبة غير مسبوقة بلغت 53% من الإنفاق خلال تسعة أشهر، في حين كانت النسبة تراوح حول 40%، وفي اعتقادي أن كسر الرواتب لحاجز النصف (الإنفاق) يضع علامة استفهام حول هياكل الإنفاق العام، فمع انخفاض بنود الإنفاق تبقى الرواتب على ما هي عليه باعتبارها الجانب الثابت فيما بقية الأبواب متحركة، وهو ما جعله يرتفع إلى هذه النسبة، وهذا ما سوف يكون قطعاً على حساب التوازن في القوام الهيكلي للإنفاق العام، حيث لا يتجاوز هذا البند في معدلاته الطبيعية 25% في معظم الدول.
والسؤال المطروح الآن هل قيمة الرواتب مرتفعة إلى هذه الدرجة، أو أن عدد الموظفين هو المرتفع، أم أن الأمر لا يتجاوز حقيقة أن الإنفاق على بقية البنود أقل من المعدل المطلوب وهو ما رفع نسبة بند الرواتب!
الأكيد أن الرواتب ليست مرتفعة، بل إنها تقل عما كانت عليه في السبعينات قياساً بتكاليف المعيشة التي ارتفعت أكثر من 700%، فيما كانت زيادة الرواتب خلال هذه الحقبة لا تتجاوز 30% طوال أربعة عقود، أما فيما يتعلق بعدد موظفي الدولة فمن الصعوبة الخوض في هذا الموضوع لصعوبة استخلاص البيانات وخصوصاً ما يتعلق بالسلك العسكري ولا يمكن استثناء المدني الذي يعاني من ضعف الشفافية وعمليات الإفصاح!
ولعل ما يزيد الطين بلة في هذا الموضوع حقيقتان أساسيتان؛ الأولى أن إضافة التكاليف الأخرى للخدمات العامة والتي عادة ما تصاحب مثل هذا الإنفاق من مبانٍ ونقل وكهرباء ووقود وهاتف وصيانة عامة واستهلاك وغيرها سوف تقفز بنسبة الإنفاق على بند الخدمات إلى رقم مرتفع جداً تفوق نسبة الرواتب بكثير على حساب الإنفاق الرأسمالي والاستثماري، والحقيقة الثانية أن هذه النسبة من الإنفاق على الرواتب (53%) تنسب لإجمالي الدخل العام لكن هذه النسبة توازي 99% من إيرادات المملكة من النفط (306 مليارات) طوال تسعة شهور مقارنة بـ(302 مليار) التي تمثل بند الرواتب.
نقلا عن عكاظ