الشركات الناجحة الخاسرة

23/10/2017 0
د. عبدالله الردادي

عند الحديث عن الشركات الناجحة، تتبادر إلى الذهن بعض الشركات ذائعة الصيت أمثال «نت فليكس» و«أوبر» و«سناب تشات» و«تيسلا». لامست هذه الشركات بنجاحاتها حياة الملايين حول العالم، والقاسم المشترك بين هذه الشركات كونها شركات تكنولوجية اعتمدت في نموذج عملها التجاري على الابتكار وصناعة تقنيات جديدة.

لم يكن لهذه الشركات أي وجود قبل 15 عاماً، واليوم يبلغ مجموع القيمة السوقية لهذه الشركات أكثر من 200 مليار دولار. وقديما كانت تحتاج الشركات لعقود من الزمن حتى تبلغ ربع هذه القيمة، بل إن شركة «فورد» للسيارات احتاجت لأكثر من قرن حتى تصل قيمتها إلى 45 مليار دولار. وبينما لا يشك أحد بالنجاحات التي تحققها الشركات الأربع، لا يشك أي أحد أيضا بأنها شركات خاسرة ماليا وبأرقام لا تصدق.

حققت هذه الشركات الأربع خسائر تزيد على 70 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، ولم يحقق بعضها أي أرباح منذ تأسيسها. وقد تعد خسارة الشركات في بداياتها أمرا عاديا، إلا أن ما يميز هذه الشركات الأربع هو الأرقام الفلكية في الخسارة خلال فترة وجيزة. فعلى سبيل المثال، «أوبر»، وعلى الرغم من انتشارها في أكثر من سبعين دولة حول العالم، فإنها حققت خسائر في عام 2016 تزيد على 2.8 مليار دولار. أما شركة «سناب تشات»، والتي يستخدم تطبيقها أكثر من 173 مليون شخص يومياً، فقد أعلنت عن خسائر في الربع الأول من هذا العام بنحو 2.2 مليار دولار، وهي التي لم يسبق لها تحقيق أرباح على الإطلاق. ومع ذلك، فإن «أوبر» تحمل أعلى تقييم لشركة خاصة في المجال التكنولوجي، و«سناب تشات» تزيد قيمتها السوقية على 20 مليار دولار. وتتشارك «نت فليكس» مع سابقتيها في الخسائر السنوية، فقد خسرت «نت فليكس» ما يقارب 1.7 مليار دولار في عام 2016، ويتوقع أن تبلغ خسائرها لهذا العام ما يقارب ملياري دولار. وعلى الرغم من ذلك، فإن مبيعات «نت فليكس» تزداد بشكل مستمر، ووصل عدد مشتركيها من 23 مليون مشترك عام 2011 إلى ما يصل إلى 159 مليون مشترك هذا العام.

ولمعرفة الفارق الذي أحدثته هذه الشركات في النظرة لنماذج الأعمال التجارية، يجب المقارنة بينها وبين مثيلاتها من كبريات الشركات العالمية. فمن بين أكبر ألف شركة أميركية، هناك 25 شركة فقط خسرت أكثر من مليار دولار في عام 2016، وهو ما يعادل نسبة 3.3 في المائة. هذه النسبة كانت أقل من واحد في المائة قبل عقدين من الزمان، وما يقارب 1.7 في المائة قبل عقد واحد.

وتعد احتمالية صمود الشركات التي تخسر أكثر من مليار دولار لمدة تزيد على السنتين احتمالية ضعيفة. ولذلك، فقد كان التأمل مثيرا للاهتمام بهذه الشركات الناشئة والتي ما زالت تواصل التوسع بشكل مستمر رغم جميع ما تحققه من خسائر، ورغم ضعف احتمالية تحقيقها لأرباح خلال السنوات القليلة المقبلة. وبحسب المحللين الاقتصاديين، تحتاج هذه الشركات لارتفاع سنوي بين 8 و33 في المائة في نسب مبيعاتها، وذلك لعشر سنوات على الأقل! وإحصائياً، فإن إمكانية حدوث هذه النسبة لا تزيد على 25 في المائة.

الرؤية الطموحة والرغبة في التغيير هما عاملان تشترك بهما هذه الشركات، إضافة إلى إيمان المستثمرين والممولين بنموذج الأعمال لها والذي لا يثنيهم عن ضخ السيولة لهذه الشركات رغم كل ما تحققه من خسائر. كل شركة من هذه الشركات لها رؤيتها في إحداث تغيير في السوق. فـ«أوبر» تطمح إلى تغيير جذري في سوق المواصلات، و«نت فليكس» أحدثت بالفعل تغييرا في صناعة التلفاز والبرامج المرئية وسحبت جزءا لا يستهان به من الحصة السوقية لكبار محطات التلفاز مثل «سكاي» و«فيرجن»، أما «تيسلا» فتؤمن أن المستقبل للسيارات الكهربائية. والأخيرة على وجه التحديد زادت قيمتها السوقية على قيمة شركة «فورد»، على الرغم من أن الفارق بين تأسيس الشركتين مائة عام بالضبط. ولا شك الملهم الأول لهذه الشركات هو النجاح الذي وصلت إليه شركة «أمازون»، والتي خسرت بين عامي 2012 و2014 أكثر من 4 مليارات دولار، قبل أن تبدأ في تحقيق أرباح عالية ونجاحات متوالية، حتى زادت قيمتها السوقية على العملاقة «وول مارت».

 

نقلا عن الشرق الأوسط