في شهر أكتوبر العام الماضي ظهر الرئيس بوتين بحوار طويل مع وكالة بلومبرغ تطرق فيه إلى مستقبل روسيا واستقرار المنطقة والخلاف الروسي مع الولايات المتحدة بشأن بعض القضايا لكن الأهم انه كان يتكلم بكل صراحة عن رغبته في لقاء سمو الأمير محمد بن سلمان وإعادة تنظيم أسواق البترول، بعد ذلك بأسابيع في قمة العشرين ظهر بوتين ممازحاً الوفد السعودي المرافق وعقد اجتماعاً بناءً مع سمو ولي العهد ولم تمضِ أسابيع حتى عقدت منظمة أوبك وروسيا اتفاق تخفيض الإنتاج الذي ظل يسري حتى الآن.
الحقيقة أن رغبة بناء جسور مشتركة وتعزيز العلاقات السعودية الروسية كانت رغبة سعودية في الأساس حيث قام سمو ولي العهد بزيارة روسيا عام 2015 فاتحاً الباب لصندوق الاستثمارات العامة للبحث عن فرص استثمارية هناك، لم تكن روسيا بنفس رغبة وجدية اليوم للعمل المشترك واعتقد الدافع للتغير هو انهيار أسعار البترول والغاز وهو ما جعلها تنظر لتعزيز الاستثمارات الخارجية التي من الممكن أن تعيد إحياء الصناعة الروسية التي دمرتها الأنظمة الاشتراكية في فترة الاتحاد السوفيتي حتى ظهرت ظاهرة شهيرة اسمها (المدراء الحمر) وهم مجموعة من القيادات الشيوعية والتي نالت امتياز إدارة المصانع دون خبرة تذكر وبعضهم تملك تلك المصانع بعد انهيار الاتحاد، فلم تقم في روسيا صناعات بتروكيماوية توازي حجم إنتاجها النفطي وثروتها الغازية أو أي صناعة متقدمة وظل النفط والغاز يشكلان 75% (2015) من مجموع الصادرات والباقي سلع أيضا مثل الألمنيوم والفحم وإن كانت روسيا تصدر بعض السيارات والأدوية بنسبة صغيرة، المملكة لديها نفس المشكلة حيت تتجاوز الصادرات البترولية ومشتقاتها 90% من الصادرات السعودية لكن روسيا يوجد بها ترسانة صناعية ضخمة وقوى عاملة تعادل خمسة أضعاف المملكة -بالأجانب- مع ذلك ظل ارتباطها بأسعار المحروقات كبير.
المشكلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حدثت خصخصة سريعة نتج منها هدر للأصول المنتجة وظهور الإقطاع بشكل انعكس سلبي على البلاد من تضخم بتحديد الإنتاج والتوسع؛ وبدأت مظاهر الفقر أكثر وضوحاً لشعب كانت الدولة تتكفل بتأمين أساسيات استهلاكه إلى شعب تحت نفوذ الإقطاع، لم يكن هناك أي فرصة لازدهار التقنية والعمل البحثي لأنها لم تكن أولوية في ظل الفقر والفساد المريع وضعف الأمن، حتى جاء بوتين القوي والذي فرضه (يلتسن) بوصية ومشورة صديقه (بوريس بوروفسكي) وبعد أن كان بوتين ينتظر إدارة شركة (جازبروم) وجد نفسه يدير البلاد بكاملها واستعان بالشاب الثلاثيني (هارمن جرف) لإعادة تشكيل الاقتصاد الروسي والذي قطع أشواطاً من النمو والتطور في العقد الأخير وعودة الأمن وهيبة الدولة ورغبة البلاد لتطوير رأس المال البشري بتعزيز بيئة الاستثمارات الجريئة مؤخراً مثل مدينة (نافولي).
اليوم روسيا تنظر للملكة كشريك نحو المستقبل وزيارة خادم الحرمين -حفظه الله- هي تتويج لهذه المرحلة ونجاح الشراكة العسكرية وصفقة السلاح الصاروخية لها دلالة نوعية على الثقة وعمق العلاقات، والمملكة تعلم أيضا أن روسيا مثلها تريد التحرر من الاعتماد على البترول والغاز وهنا عمق الشراكة الإستراتجية.
نقلا عن الرياض