تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دول الخليج

05/10/2017 2
عامر ذياب التميمي

هل ستطبق كل دول الخليج ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات المحددة ، كما تم الإعلان عنه، أم أن هناك دولاً قد تعطل هذا التطبيق؟ بموجب ما أعلن فإن دول مجلس التعاون الخليجية ستطبق ضريبة القيمة المضافة اعتباراً من مطلع عام 2018. وستكون هذه الضريبة 5 في المئة على مجموعة من السلع والخدمات، خصوصاً الكمالية وغير الأساسية إذ هناك مجموعة من السلع والخدمات الأساسية لن يطاولها تطبيق هذه الضريبة. لكن هل يمكن أن يحقق تطبيق هذه الضريبة إيرادات سيادية مناسبة لدول الخليج؟

هناك توقعات مبدئية بأن هذه الدول ستجني ما يقدر بـ25 بليون دولار سنوياً من إيرادات ضريبة القيمة المضافة، لكن يظل ذلك بحكم غير المعلوم حتى تتضح تفاصيل التطبيق والسلع والخدمات المحددة. من جانب آخر، هل ستطبق كل دول المنطقة هذه الضريبة؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على معرفة الواقع السياسي والاجتماعي في مختلف بلدان الخليج. وبتقديري أن بلداناً مثل السعودية والإمارات وقطر وعمان والبحرين، أي غالبية الدول، سوف لن تجد صعوبات سياسية لتطبيق الضريبة، لكن في بلد مثل الكويت سيواجه التطبيق معضلات سياسية مؤكدة نظراً إلى طبيعة المجتمع السياسي. وسيعاني مجلس الوزراء مشكلات مهمة مع مجلس الإمة في محاولة الإقناع بأهمية التناغم مع بلدان الخليج الأخرى. وقد بدأ الجدل باكراً في الكويت حيث يطالب عدد من الأعضاء بترشيد الإنفاق ووقف الهدر في الإستهلاك الحكومي بدلاً من تطبيق ضريبة تؤثر على مستويات المعيشة للفئات الشعبية.

إذا كان المقصود من ضريبة القيمة المضافة تحسين قيمة الإيرادات غير النفطية، فإن ذلك لن يكون هدفاً مفيداً بحد ذاته. ويفترض أن تكون هناك أهداف أخرى منها، وربما أهمها، ترشيد الاستهلاك العائلي والشخصي ووضع حد للاستهلاك الشره الذي ينتاب المجتمعات الخليجية. يضاف إلى ذلك أن هناك إمكانات للاستفادة من التطبيق للحصول على إحصاءات موثوقة عن المبيعات والاستيراد في شكل دوري. ويجب أن يتم التطبيق ضمن منظومة متكاملة من الإصلاحات البنيوية التي تنقل اقتصادات بلدان المنطقة من النظام الريعي المعتمد على الإنفاق العام الممول بإيرادات النفط، إلى نظام اقتصادي يعتمد على نشاط القطاع الخاص والمبادرات. وهناك من يقترح أن تكون ضريبة القيمة المضافة ضمن منظومة ضريبية متكاملة تشمل ضريبة دخل تصاعدية وضريبة عقار وضريبة ميراث وضريبة على الأرباح الرأسمالية التي تنتج عن بيع الأصول. لكن بلدان الخليج ظلت بعيدة من تطبيق أنظمة ضريبية، كما هو متبع في بلدان أخرى من العالم، نظراً إلى الإيرادات النفطية السخية التي غمرتها منذ مطلع خمسينات القرن العشرين. ويعني تطبيق الأنظمة الضريبية تحولاً في المفاهيم والقيم التي تحكم الأعمال الاقتصادية والسلوكيات الاجتماعية، أي تغيرات هيكلية في فلسفة الحياة السياسية. وربما تكون هناك منظومة من الرسوم والجبايات وضرائب متواضعة لعدد من النشاطات والأعمال. وحتى هذه تتباين بين دول خليجية وأخرى، اعتماداً على مداخيل النفط وحجم الإنفاق. والآن، وبعد تراجع أسعار النفط وتنامي الشعور بأن أسعاره المرتفعة، والتي تحقق فوائض مالية أو على الأقل تمكن من تفادي عجز الموازنة والابتعاد من الديون السيادية، تعزز البحث عن إيرادات أخرى.

هل يمكن إقناع المواطنين بأهمية ضريبة القيمة المضافة؟ يجب تبني برامج توعوية من خلال الإعلام وبرامج أخرى للتأكيد على جدوى هذه الضريبة في عملية الإصلاح الاقتصادي. كذلك لا بد أن تعمل الحكومات الخليجية، وإن بمستويات مختلفة، على إصلاح برامج الإنفاق العام وترشيدها والحد من الهدر ووقف الإنفاق الترفي ومقاومة الفساد الإداري. فالأوضاع الاقتصادية الراهنة تتطلب تحولات مهمة في السياسات المالية المتبعة وتبني برامج قد لا تكون شعبية على الأمد القصير. ولا شك في أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة لن يشمل السلع الغذائية الأساسية، ومنها سلع مدعومة في عدد من بلدان المنطقة، وهناك خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه والسكن قد تستثنى من التطبيق لفئات سكانية محددة. وأجريت في بلدان عدة تطبيقات لمثل هذه الضريبة وتم استيعابها بعد فترة زمنية معقولة، ثم تم توسيع نطاق التطبيق ليشمل سلعاً وخدمات أخرى.

ويمكن الناس التكيف مع متغيرات الأوضاع الاقتصادية وما ينتج عنها من تعديلات في السياسات المالية. وإذا كان مواطنو دول مجلس التعاون اعتادوا على البحبوحة منذ بداية عصر النفط، فإن المطلوب ليس تقشفاً وتأثيراً في مستويات المعيشة بمقدار ما هو ترشيد في الاستهلاك والتزام المسؤولية تجاه موارد الخزينة العامة. لذلك فإن المصاعب التي ستواجه التطبيق من مشكلات فنية وإدارية ومواجهات اجتماعية وسياسية، يمكن التغلب عليها بحكمة التطبيق وبلاغة التوعية والقدرة على ضبط الهدر والقضاء على الفساد الإداري في المؤسسات العامة.

 

نقلا عن الحياة